وظروف صعود كاميرون سلم السلطة في ظل تراجع حزب "المحافظين" وغياب ذوي الخبرات من قيادات الحزب، لا تختلف عن تلطك التي جاء بأول رئيس أسود إلى البيت الأبيض في محاولة من الولايات المتحدة نفي شبهة العنصرية التي تلاحقهم منذ عقود طويلة، ومع اقتراب انتهاء عهد أوباما وكاميرون، تنتاب شعوب المنطقة العربية حالة من الغضب تجاه الرجلين لسياستهم التي نشرت العنف والفوضى وساهمت في تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف.
ولم يكن يدرك كاميرون أنه بقرار تحديد 23 يونيو/حزيران موعدا للاستفتاء يصوغ المشهد الأخير في حياته السياسية، فهو الذي وعد البريطانيين بإجراء استفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي حال إعادة انتخابه، منتشياً بالاتفاق الجديد مع المفوضية الاوروبية حول تحسين شروط عضوية بريطانيا، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
بسبب الارتباط الوثيق بين لندن وواشنطن لم تكن علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوربي علاقة سوية، حيث الكثير من الملفات الخلافية، وكان الجنرال "شارل ديغول" يقف حائلا دون انضمام بريطانيا للاتحاد بسبب علاقاتها بالولايات المتحدة، والتبعية التي تبدو عليها السياسة الخارجية للحكومة البريطانية مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ورغم الانضمام عقب تنحي ديغول، عارضت بريطانيا النظام النقدي والمصرفي، ثم العملة الموحدة وكثير من سياسات الاتحاد، وكانت تدفع إلى أن يكون هناك وضع خاص بعيداً عن باقي الدول الاعضاء.
الاستفتاء خطوة أولى تتطلب عدد من الخطوات الأخرى حول آليات التخارج من الاتفاقيات الموحدة المعمول بها داخل الأراضي البريطانية؛ وفك الارتباط مع كافة قطاعات الاتحاد؛ تجنبا للآثار السلبية أو للتخفيف من حدتها على الأطراف المعنية؛ في ظل حالة عدم اليقين التي تجتاح الاسواق الأوروبية والدول الأخرى الشريكة عقب إعلان نتيجة الاستفتاء.
ومعاهدة لشبونة" التي تم التوقيع عليها عام 2007 تهدف إلى إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي وتنظيم عملية صناعة القرار، وهي بديل لمشروع الدستور الأوربي الذي رفض عام 2005 من جانب بعض الشعوب الأوروبية، والمعاهدة تتضمن تنظيم الانسحاب الطوعي من الاتحاد الأوروبي والذي سيم تطبيقه لأول مرة على بريطانيا؛ ومن هنا تبدو صعوبة الإجراءات المطلوبة للتخارج من كافة القوانين والمؤسسات الأوروبية الموحدة، وفق ما نصت عليه المادة ٥٠ من المعاهدة وفق آليات يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
كاميرون أشار إلى أنه مستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي سوف تحتاج إلى البدء في عهد رئيس الوزراء الجديد، والذي يملك الحق في تحديد موعد البدء في المفاوضات وفق المادة 50 وبدء العملية الرسمية والقانونية لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
والفقرة الأهم من المادة 50 من المعاهدة تنص على أن " ينتهي مفعول تطبيق المعاهدات الأوروبية على الدولة المنسحبة اعتبارا من تاريخ دخول "اتفاق الانسحاب" حيز التنفيذ، أو بعد سنتين من تسلم الاتحاد رسميا قرار الانسحاب إذا لم يتوصل الطرفان إلى أي اتفاق في هذه الأثناء. وبوسع الاتحاد والدولة المنسحبة منه أن يقررا تمديد هذه المهلة بالتوافق بينهما، بشرط تصويت دول الاتحاد على ذلك بالإجماع".
كذلك لا يحق للدولة المنسحبة المشاركة في المناقشات أو القرارات المتصلة بها والتي يجريها الاتحاد بشأن انسحابها.
نصائح الرئيس الأمريكي لم تسعف رئيس الحكومة البريطانية، ويبدو أن "كاميرون" و"أوباما" على موعد واحد للرحيل من المشهد السياسي الإقليمي والدولي بعد سلسلة من الفشل على الصعيدين الداخلي والخارجي، دفع إلى خسارة الأغلبية اللازمة لتنفيذ البرامج المختلفة سياسيا واقتصاديا، بينما ينتظر العالم كيف ستكون بريطانيا ما بعد الاتحاد الأوروبي في ظل التحديات الراهنة، بعد السقوط المدوي لرئيس الحكومة الذي لم يمض على انتخابه سوى عام واحد.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)