امتلاك محطة للطاقة النووية للاستخدامات السلمية، كان حلما يراوض المجتمع المصري على كافة المستويات الرسمية والشعبية، ولأسباب مختلفة كان يتم تأجيل تحقيق الحلم، إلى أن أعلن رسميا عن التوصل لاتفاق بين القاهرة وموسكو على بناء أول محطة للطاقة النووية في الشمال الأفريقي بطاقة 4 مفاعلات لإنتاج 4.8 ميغاواط من الكهرباء في إطار سياسة تنويع مصادر الطاقة اللازمة للخطط الطموحة للتنمية في مصر ما بعد 30 يونيو/حزيران.
البعد السياسي:
السفير عزت سعد، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، يرى أن المشروع النووي المصري هو احد ثمار ثورة 30 يونيو؛ مشيراً إلى توقيع الاتفاقية مع روسيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ وإلى اتفاق التعاون بين البلدين في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والذي تم توقيعه في مارس/آذار من العام 2008.
وأضاف خلال المشاركة في ندوة لمركز الدراسات الروسية بالقاهرة والتي جاءت تحت عنوان "المشروع النووي المصري… ملامح اقتصادية وعلمية وسياسية"، أن الاتفاق مع روسيا جاء في إطار توجه السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة والتوازن الذي ظهر في علاقات مصر الخارجية وعدم التركيز على قوى بعينها؛ وانه علينا ان نفهم الاتفاق في هذا الإطار، مؤكداً أن المشروع نقل العلاقات المصرية الروسية الى مستوى جديد نستطيع ان نطلق عليه بدون اي مبالغة "شراكة استراتيجية حقيقية" بحكم طبيعة هذا النوع من التعاون.
وأشار إلى أن المشروع سوف يستغرق تنفيذه بعض الوقت وسوف يستمر لسنوات وعقود قادمة، الأمر يتعلق بمشروع غاية في الحساسية ويتسم بطابع خاص؛ وهو ما يجعلنا نقول انه نقل العلاقات بين البلدين الى علاقات ذات طابع استراتيجي؛ منوهاً إلى ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى القاهرة في فبراير/شباط من العام الماضي، بأن "التعاون مع مصر يتعلق بصناعة كاملة"، وكان يتحدث في إطار عرض المزايا التي سوف يوفرها المشروع للجانب المصري والروسي.
شدد الدبلوماسي المصري على أن النقلة النوعية في العلاقات المصرية الروسية بفضل هذا المشروع، إلى جانب مكون آخر مهم جدا يجعلنا نصف هذه العلاقات بالاستراتيجية وهو المكون العسكري في العلاقات بين البلدين، وعلينا ان ندرك ان الأمر يتعلق بمصالح متبادلة.
روسيا تتفهم احتياجات الدول النامية للطاقة النووية للاستخدامات السلمية، على عكس الولايات المتحدة التي أظهرت ولا تزال قدرا كبيرا من التشدد تجاه مناطق محددة، مشيراً إلى الشرق الأوسط لأغراض تتعلق بأمن اسرائيل.
البعد الاقتصادي:
والبعد الاقتصادي بحسب أستاذ الطاقة النووية الخبير الدولي، الدكتور يسري أبو شادي، فإن المفاعل الواحد ينتج كهرباء بقيمة مليار دولار سنويا، ومصر ستملك أربع مفاعلات ما يعني ان مصر ستحصل على 4 مليارات دولار في العام. وطبقا للتعاقد فإن مصر سوف تحصل على عائد إنتاج الكهرباء من المفاعلات الأربع لمدة 3 سنوات قبل بدء سداد أقساط الديون إلى روسيا، والتي تبدأ عام 2029، بينما المفاعل الأول يبدأ بالإنتاج عام 2023، والثاني 2024والثالث 2025والرابع 2026 حتى يكتمل إنتاج 4.8 ميغاوات هي القدرة الإنتاجية لمحطة الضبعة.
ولفت إلى أن المشروع على مدار سنوات عمله يحقق عائدا لمصر بما يعادل 280 الى 290 مليار دولار، وأن الوقود النووي للمفاعلات سيكلف مصر سنويا 100 مليون دولار؛ بينما عائد المفاعلات الأربع 4 مليار دولار سنويا؛ بينما محطات إنتاج الكهرباء التي تعتمد على النفط والغاز تحتاج الى وقود بمقدار مليار دولار في السنة، وهذا يتطلب تدخل الحكومة لدعم الكهرباء كما يجري في مصر حاليا.
الخلاصة:
المشروع يحقق مصالح مشتركة بين موسكو والقاهرة، كما يحقق حلما مصريا طال انتظاره، ويدفع علاقات التعاون الى آفاق أرحب على كافة الأصعدة. ومصر بثقلها الإقليمي وروسيا بما تملكه من علاقات متوازنة مع دول المنطقة، أمام دور محوري تجاه القضايا الملحة، مثل مكافحة الإرهاب، الأزمة السورية، المصالحة الفلسطينية، إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إصلاح الأمم المتحدة، تعزيز فرص إدارة ديمقراطية لشؤون المجتمع الدولي وإنهاء سنوات من سياسة القطب الواحد التي انهكت المجتمع الدولي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)