وهناك من الدول من يضغط اقتصاديا من أجل تغيير التوجه السياسي العام للدول أو على أقل تقدير تغيير الموقف من ملف محدد أو أزمة معينة.
التعاون بين الدول يتضمن عددا من الملفات ذات الطابع السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وإدارة ملفات التعاون قد تواجه في مرحلة ما، بعض العثرات. بينما ملفات أخرى تسير بشكل متميز، وهنا تظهر قدرة الدولة على تجاوز الخلافات من أجل تحقيق المصالح من دون التفريط أو التنازل عن حقوقها السيادية، وتتبنى "البرغماتية" في التعاون الخارجي إدراكاً بأن التباين لا يجب أن يفسد التعاون الاقتصادي والتجاري، وهي قادرة على إدارة سياستها الخارجية بشكل يحقق مصالحها.
قامت إيطاليا باستدعاء سفيرها في القاهرة، وأكد وزير الخارجية أن بلاده ستواصل الضغط على مصر حتى التوصل إلى حقيقة مقتل "ريجيني"، ومؤخرا قام البرلمان الإيطالي بتأييد قرار مجلس الشيوخ بتعليق تزويد مصر بمهمات ومعدات عسكرية خاصة تلك التي تتعلق بالمقاتلات من طراز "إف 16" الأمريكية.
وفي أول رد فعل من جانب البرلمان المصري، جاء قرار خفض البرلمان المصري مستوى تمثيل الوفد المشارك في اجتماعات الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، والتي عقدت في روما الأحد 10يوليو/تموز الجاري، ومشاركة رئيس لجنة العلاقات الخارجية، محمد العرابي، بدلا من رئيس البرلمان، علي عبد العال، الذي دعا إلى اجتماع عاجل الأسبوع المقبل لهيئة مكاتب لجنة العلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومي ولجنة حقوق الإنسان لوضع تقرير وتقدير موقف ومقترحات للخروج من الأزمة مع إيطاليا.
بيان وزارة الخارجية المصرية حمل تحذيرا من التصعيد الإيطالي غير المبرر، واعتبر قرار البرلمان بأنه لا يتسق مع حجم ومستوى التعاون القائم بين سلطات التحقيق في البلدين منذ بداية الكشف عن الحادث، ويتناقض مع الهدف المشترك الخاص بمكافحة الإرهاب، والقرار ينطوي على توجه يؤثر سلباً على مجمل مجالات التعاون بين البلدين، ويستدعي اتخاذ إجراءات من شأنها أن تمس مستوى التعاون القائم بين مصر وإيطاليا ثنائياً وإقليمياً ودولياً، بما في ذلك مراجعة التعاون القائم في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط والتعامل مع الأوضاع في ليبيا وغيرها من المجالات التي تحصل إيطاليا فيها على دعم مصر.
تصاعدت أصوات مصرية تطالب بإعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية وتلك المتعلقة بقطاع النفط والغاز وجميع أشكال التعاون بين البلدين، وهو ما يثير القلق في ضوء الاكتشافات الجديدة لشركة "إيني" الإيطالية، وهو ما دعا البعض إلى القول بأن الخلافات بين البلدين جاءت في توقيت سيء بالنسبة للشركة وخطط تأمين مصادر الطاقة في مصر.
صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية نقلت عن المدير التنفيذي لـ"إيني" كلاوديو ديسكالزي، أن عددا من الشركات أعربت عن اهتمامها بالاستحواذ على حصة في حقل "ظهر" العملاق، قائلا "ظهر يتضمن عملية تنمية ضخمة، وهناك مجال لاستيعاب بعض الشركاء الآخرين". واعتبرت بيع حصة في الحقل سيسمح بمشاركة التكاليف الخاصة بالتطوير وتخفيف بعض المخاطر السياسية، وفي مارس/ آذار الماضي، نشرت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية تحقيقا حول مفاوضات تجريها "لوك أويل" الروسية لشراء 20% من حقل "ظهر".
تشير المصادر إلى أن الاتفاق بين الشركة الإيطالية ومصر حول الاستكشاف في منطقة المياه الاقتصادية المصرية والذي يعرف بـ "امتياز شروق" تنص على تجنيب 40% من قيمة إجمالي الغاز المكتشف لصالح استرداد استثمارات الشركة في البحث والتطوير، والنسبة المتبقية 60%، يتم توزيعها بواقع 65% منها للحكومة المصرية و35% للشركة الإيطالية.
كما يشترط الاتفاق ضرورة موافقة مصر على بيع حصة في المشروع لطرف ثالث، وأكدت تلك المصادر أن القاهرة لم تتلق حتى اليوم أي إخطار بالبيع أو حتى نية البيع، وأوضح أن التزامات البائع تنتقل إلى المشتري.
في ظل التصعيد المتبادل بين البلدين، وفي ضوء التحديات التي تواجه المجتمع الدولي ومنطقة حوض البحر المتوسط، يطرح السؤال نفسه هل يمكن للقاهرة وروما تجاوز الخلافات التي تحولت فجأة إلى أزمة سياسية، أم تستمر عقدة "ريجيني" عاصية عن الحل وتترك آثارها السلبية على قطاعات التعاون الأخرى؟.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)