"كنت أنظُر إلى ساقيّ، الدم يجري فوقهما، لم أود أن أصدّق أن هذا الجسد المنتهك هو (أنا)". نادية مراد، التي تفضّل مناداتها بالاسم المعروفة به في قريتها وبين أهلها، ماردلين. لم تكن المرة الأولى التي تجد فيها نفسها بهذه الحال. لكنها أصعب من سابقاتها بكثير. جسد نحيف، وهيئة ضعيفة لا يمكنها احتمال تلك الجحيم. لكنها تكرر أن شتائم وإهانات إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية، كانت مميتة أكثر من التعذيب الجسدي والاعتداءات الجنسية.
3000 فتاة أيزيدية من سنجار يتم الاتجار بهن
ماردلين فتاة أيزيدية لم تكمل العشرين من عمرها، عيناها سوداوان ذابلتان وبشرتها شاحبة، تلفظ أنفاسها بين كلمة وأُخرى. وتقول: "عندما كان يغتصبني الواحد تلو الآخر، كانت صورة أمي كالطّيف الأبيض لا تفارق مخيلتي، كنت أخاف أن أفتح عينيّ وأرى ما يفعلونه بي، كانت أصواتهم أشدّ تعذيباً".
حتى العادة الشهرية لا توقف "داعش" عن ممارسة الجنس
تروي ماردلين أول اعتداء حصل لها، يوم الأربعاء 20 أغسطس 2014: "جردني من ملابسي وجرني على الأرض، تعامل معي بشكل رخيص. طلب مني أن أخلع بنفسي آخر قطعة بقيت على جسدي، أخبرته أنني في مرحلة الدورة الشهرية وبكيت وأنا أترجاه أن لا يؤذيني، صار يضحك بصوت عالٍ، ويقول غيرك أيضاً قال هذا. أنت تكذبين. حتى تأكد بنفسه، ثم رماني بقوة. كانت أوّل مرة أكون سعيدة بتلك الدورة، لكن الدورة التي أتتني خوفاً مثلما حصل للكثيرات من حولي، لم تنقذني. ففي اليوم التالي تم اغتصابي".
توضح ماردلين أنها، والأخريات، تنقلت لأماكن عديدة، بحكم العناصر التي كانت تباع أو تُهدى لهم. تقول: "التقيت الكثير من الفتيات، بعضهن صغيرات جداً لا تتجاوز أعمارهن 9 سنوات، وأخريات أمهات برفقتهن أطفال رضّع وكذلك حوامل". وتذكر قصة طفلة في الحادية عشرة من العمر، ربطوها ليومين، بسياج حديقة البيت المحتجزة فيه، ثم اعتدى عليها اثنان من عناصر داعش، مدى نهار كامل، لأنها حاولت الفرار. فعقوبة من يخالف الأوامر ويعصيها، أو من يحاول الهرب، هي الاغتصاب الجماعي والبيع بأثمان رخيصة، إلى جانب التعذيب بالكهرباء، والضرب بالأسلاك الكهربائية أو الأحزمة والحبال وغيرها من الأدوات.
شهدت بنفسي على إعدام عائلتي
عاشت كل أنواع التعذيب، وتقول: "تم تعذيبي بشتى الوسائل، وقاموا بإطفاء السجائر على كتفيّ، ولليوم يوجد آثار على كتفي اليمنى. في اليوم الأول ضربوني في غرفة جانبية في قصر عالٍ، قرب الجامع الأكبر في الموصل. ركلني أحد الرجال عشرات المرات لأنني صرخت أثناء تحرّش أحد عناصرهم بي داخل المُنشأة التي كانت تقودنا من منطقة صولاخ، وهي منطقة زراعية سياحية جنوب سنجار إلى الموصل، الساعة 10:38 من ليل 15 أغسطس 2014".
وتضيف: "كنّا أكثر من 150 فتاة من قرية كوجو، جنوب قضاء سنجار، وأكبرنا لم تبلغ الـ25. نُقلنا في 4 منشآت كبيرة. صرخت وبكيت حينها، وصرخت الفتيات. كنّا نعتقد أنهم لن يلمسونا، ولن يصيبنا مكروه، وأنهم أخذونا كرهائن فقط، بحسب قولهم، إنّما العكس كان صحيحاً.
تعصر أصابعها وتشدّها، وهي تنظر حولها، كأن عينيها الواسعتين تبحثان عن شيء في تلك الذاكرة القوية، التي حفظت كل اسم قابلته بالتوقيت والزمان.
تضحك وهي تقول: "أتعلمين أن أخي كان جائعاً حين أعدموه برفقة 5 إخوة آخرين. نعم أطلقوا النيران على الجميع، كنت في الطابق الثاني من مدرسة قريتنا، ورأيت بأم عيني التراب كالعاصفة يعلو من طرف القرية".
وتكمل ماردلين: "لم نكن نعلم أن هذا سيكون مصيرنا، فكان عناصر التنظيم يتكلمون باسم أبو حمزة المسؤول الرئيسي، ويخبروننا أن لا علاقة للأيزيدية بمعاركهم، فهم يحاربون الحكومة الصفوية وكانوا يقصدون بذلك المالكي والشيعة. أمهلونا مهلتين مخيِرين الجميع بين اعتناق الإسلام أو الموت. وبعد مرور 10 أيام، رفض الجميع الدخول إلى الإسلام، فأبلغونا أنهم لن يؤذونا، وعلينا جميعاً التوجه إلى مدرسة القرية. أخي كان قد استيقظ من النوم تواً، فتح الثلاجة ليخرج شيئاً ويأكله، سحبته أمي من يده وصارت تنادينا بصوت عالٍ وخائف: هيا فلنذهب، الجميع يجتمع في المدرسة". تضيف: "هكذا فصلوا إخوتي مع الرجال، بعدما سلبوا الذهب والهواتف النقالة والنقود وحتى ألبومات الصور، التي حملها السكان معهم. صعد الرجال في سيارات بيك آب، وتوجهوا بهم إلى خارج القرية، كانت أصوات الطلقات مروّعة، وهي تمتزج بأصوات النساء والأطفال. الكل كان يبكي ويصرخ، وأمي كانت تبكي وتردد: لم أدع أخاك يشرب حتى كأس ماء، أخذوه إلى المجهول وهو جائع وعطشان".
طيف أمي أبقاني على قيد الحياة
والدتها التي كانت كالحلم الجميل، والتي كانت تدعوها بـ"كجكوكا منىَ" أي صغيرتي، هي الأخرى مع 84 امرأة مسنّة عُثر عليهن في مقبرة جماعية في صولاخ. طيف أمها كان الحارس والداعي الوحيد لبقائها. كثيراً ما فكرت بالانتحار وهي تنظر إلى نفسها كجسد عار يعامل بشكل غير إنساني.
لكنها في كل مرة كانت تلملم بقايا ثيابها الممزقة، وهي تخطط للهروب، حتى وجدت طريقاً يحمل خيارين، إما الموت أو النجاة. نجحت بشجاعة وهربت من داخل الموصل بمساعدة عائلة موصلية فقيرة، لكنها وجدت نفسها في مخيم للاجئين يطلق عليه مخيم قاضية في منطقة زاخو في إقليم كردستان العراق.
تقول ماردلين: " فرحتي بهروبي لم تكتمل، إذ تلقيت نبأ مقتل والدتي، وبقاء 18 شخصاً من عائلتي لليوم في قبضة داعش. أنتظر لقاء من نجا من عائلتي وأنا أضع رأسي على الوسادة وأتوسّل للرب أن أفيق في الصباح وأجد أن هذا كله كابوس والحياة في قريتي كوجو طبيعية وجميلة كما كانت".
تختم: "لا يمكنني أن أنكر أن هذا حلم غالبية من التقيتهنّ من الناجيات من قبضة داعش، لكن يبقى هذا الحلم المشروع مجرد حلم وحنين لحياة قد تلد من صلب الإبادة".
انتقلت نادية أو ماردلين، للعيش في ألمانيا ضمن مشروع إعادة تأهيل 1000 من المخطوفات الأيزيديات، الذي بادرت به ألمانيا عام 2015. وتحوّلت ماردلين من سبيّة إلى ناشطة مدنية عالمية، تجول أرجاء الأرض لترفع صوت قريناتها، وقد رشحتها الحكومة العراقية لنيل جائزة نوبل للسلام.
المصدر: رصيف22