ولأن مصر كانت تبحث في تلك المرحلة عما يحقق كرامتها، فكان من الطبيعي أن تكون هناك علاقات قوية مع روسيا — السوفييتية في ذلك الوقت- على الرغم من أن العلاقات الروسية المصرية كانت قائمة من قبل ذلك، ولكنها كانت تارة جامدة، وتارة أخرى على مستوى عال من القوة والتنسيق والتعاون.
يقول الأكاديمي والمؤرخ للثورات والقيادي في الحزب العربي الديمقراطي الناصري أحمد بدر الدين، إن العلاقات بين مصر وروسيا استمرت لأكثر من 70 عاما، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أغسطس/ آب 1943، وكانت وقتها تتطور بسرعة وبقوة، بعدما اعترفت مصر بالاتحاد السوفيتي، بسبب انضمام الأخير لدول التحالف في مواجهة ألمانيا النازية.
ويضيف "وقعت مصر أول اتفاقية اقتصادية مع الاتحاد السوفيتي في 1948، وبموجبها قايضت مصر حبوب القمح، بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي، وظلت روسيا تدعم مصر بما تحتاجه من مواد غذائية وتأخذ منها احتياجاتها أيضا، قبل أن تنطلق ثورة يوليو/ تموز 1952، التي أسست لعهد جديد من العلاقات، تطورت خلالها أشكال التجارة والصناعة".
ويكمل الحديث أستاذ التاريخ، قائلا "بعد ثورة يوليو/ تموز، كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يبحث عن أمرين كلاهما أهم من الآخر، الأول هو تأسيس الجيش المصري تأسيساً صحيحاً وقوياً، ليتمكن من الرد على كل من يتحرشون بمصر ويرفضون ثورتها، والثاني أن يعقد صداقات بالقوى الكبرى بشرط أن تكون هناك ندية في التعامل، وهو ما وجده مع روسيا التي مد له قادتها أيديهم".
وتابع "في 1955، عقد عبدالناصر صفقة أسلحة لمصر، عن طريق تشيكوسلوفاكيا، ما أدى إلى انزعاج الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حيث أن امتلاك مصر للسلاح قلب موازين القوى، وبالتالي أصبح عبدالناصر يتحدث بلهجة أكثر قوة، لأنه رأى أنه يمتلك ما تمتلكه قوى الاستعمار التي كانت تحاول أن تهزم مصر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا أيضا، لكي تسقط ثورتها".
وحسب بدر الدين، فإن الدعم الأهم الذي قدمته روسيا للثورة المصرية، كان في عام 1960، عندما أراد جمال عبدالناصر بناء السد العالي، وقدرت تكلفة بناء السد بمليار دولار، ووافق وقتها الاتحاد السوفيتي على تمويل مشروع بناء السد العالي بدعم فني، ودفع بنحو 400 خبير للوقوف على عملية بناء السد، إضافة إلى دعم مالي لمصر سددته مصر بتصدير منتجات مصرية لروسيا".
وأكد المؤرخ أن مصر واصلت صداقتها مع الروس، الذين قدموا خدمات كبرى للجيش المصري، ولكن فجأة مرت العلاقات المصرية الروسية بأزمة كبيرة بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، فبمجرد تسلم الرئيس أنور السادات منصبه، طالب أكثر من 1700 خبير روسي بمغادرة البلاد، وهم من كان عبدالناصر يستعين بهم في تقديم الخدمات الفنية والعسكرية للجيش المصري، وأيضا كان يستعين بهم في مشورات تتعلق بتوجه مصر نحو صناعات معينة.
ويشير بدر الدين إلى أنه على الرغم من عدم وجود الروس في صفوف الجيش المصري أثناء حرب 1973، إلا أن صواريخ سام 6 الروسية كانت واحدة من الدعائم التي اعتمد عليها سلاح الدفاع الجوي المصري في اصطياد الطائرات الإسرائيلية التي حاولت إفشال معركة الجيش المصري لاسترداد وتحرير أرضه، كما أنه ما زالت حتى الآن تجوب شوارع مصر سيارات روسية تم تصنيعها في روسيا أو ساهمت موسكو في تصنيعها في مصر.