تصر روسيا على أن الجماعات المسلحة في سوريا والتي تستهدف المدن والبلدات وتذبح الأطفال وترقص على جثث القتلى لا يمكن أن تكون معارضة معتدلة، مهما غيرت تسمياتها، فكلها جماعات إرهابية ويجب محاربتها وتوحيد الجهود الإقليمية والدولية في مكافحتها وقطع خطوط إمدادها وتمويلها، وإلا ستنتشر إلى أبعد من سوريا وتقطع كل المسافات لتصل إلى جميع القارات وليس فقط الدول المجاورة لسوريا، وهذا ما أكده الرئيس بوتين مرات ومرات وحذر المجتمع الدولي من هذا السرطان الذي يتمدد حتى إلى الدول التي رعته ومولته، كما رأينا كيف ضرب دول أوروبية وشرق أوسطية كانت تبارك انتشاره في سوريا وتسميه ثورة، أما إذا حدث في دول أخرى فتسميه إرهابا.
ولا بد من التوقف عند تصريحات الرئيس بوتين والرئيس أردوغان فيما يتعلق بالأزمة السورية حيث أكد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان خلال لقاء القمة في بطرسبورغ الثلاثاء 9 أغسطس/ آب، عزمهما التوصل إلى تفاهم مشترك للتسوية في سوريا.
وقال بوتين تعليقا على اللقاء المرتقب: "سنتبادل المعلومات وسنبحث عن الحل".
وتابع أن تركيا تشاطر روسيا تفاهما بشأن ضرورة مكافحة الإرهاب.
وذكر الرئيس الروسي بأن مقاربات بلاده من سبل التسوية في سوريا لم تكن تتطابق دائما مع المقاربات التركية في السابق، لكنه شدد على أن لموسكو وأنقرة هدفا مشتركا في هذا السياق، وهو تسوية الأزمة السورية. وشدد قائلا: "انطلاقا من هذا الموقف المشترك سنبحث عن حل مشترك مقبول".
واستطرد قائلا: "إننا ننطلق من استحالة التوصل إلى تحولات ديمقراطية إلا بالوسائل الديمقراطية. هذا هو موقفنا المبدئي".
وهنا لا بد أيضا من التوقف قليلا، فما الذي جرى حتى يتغير الموقف التركي من الأزمة السورية ويصبح قريبا من الموقف الروسي، إذ كان قبل الانقلاب الفاشل الذي جرى في تركيا مناقضا للموقف الروسي؟
وبالعودة إلى الخلف قليلا، حيث أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الرئيس الأول الذي اتصل بالرئيس أردوغان بعد الانقلاب الفاشل، ورفض مبدأ العنف بالاستيلاء على السلطة.
وكان بوتين وأردوغان قد أشارا إلى "أهمية التعاون لمحاربة الإرهاب وحل الأزمات الإقليمية"
كما قدم الرئيس الروسي تعازيه بضحايا الهجوم الإرهابي في مطار أتاتورك وقال بوتين "نأسف ونتعاطف مع ضحايا العملية الإرهابية التي وقعت في إسطنبول ".
لا شك أن هذا الاتصال كان بمثابة رسالة على أن أعمال العنف في أي دولة غير مقبولة بالنسبة للسياسة الروسية، فإذا كنا نستهجن ونشجب الانقلاب العسكري وأعمال العنف والتفجيرات في تركيا، فلماذا لا نستهجنها ونشجبها في دول أخرى على سبيل التحديد في سوريا الدولة الجارة لتركيا، كما أن المعايير المزدوجة بالنسبة لروسيا مرفوضة في حل القضايا الدولية وقضايا العنف والإرهاب. ربما أردوغان قد استوعب الرسالة وعرف أن ما يحصل في سوريا من عنف لن يصب في مصلحة تركيا وأن عليه التعاون مع روسيا في محاربة الإرهاب وإغلاق الحدود في وجه تهريب السلاح وعبور الإرهابيين إلى الأراضي السورية. فهل إعلان الرئيسين التركي والروسي عن تقارب وجهات نظرهم بالنسبة للأزمة السورية سيكون بداية النهاية في قطع طرق إمداد المسلحين والإرهابيين وعبورهم إلى الأراضي السورية، وبالتالي نرى الضوء لنهاية الحرب الإرهابية على سوريا؟
ومهما كانت نتائج تفاهمات روسيا وتركيا، فإن الجيش السوري وحلفائه مستمرون بحربهم ضد الإرهاب العالمي بمؤازرة القوى الفضائية-الجوية الروسية حتى تحقيق النصر، وستكون الكلمة الأخيرة للجيش السوري في إزالة ظلام الإرهاب.
أما تركيا فلن تستطيع الاستغناء عن روسيا لا اقتصاديا ولا سياسيا مهما كانت قريبة من الناتو وأوروبا وواشنطن، وفي النهاية لكل شيء ثمن.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)