استقبلت الأوساط الرسمية العربية بارتياح مؤشرات اضمحلال فرص نجاح مرشح الحزب "الجمهوري" في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتقدم مرشحة الحزب "الديمقراطي"، هيلاري كلينتون، عليه بفارق كبير في استطلاعات الرأي، فالعدائية التي اتسم بها خطاب ترامب ضد العرب والمسلمين كانت جارفة، ولم يسبق أن وصل مرشح للرئاسة الأميركية إلى هذا الحد في استعدائهم بشن خطاب كراهية فظ ضدهم، والاستهزاء بقيمهم وحقوقهم ومشاعرهم، ومن هذه الزاوية مما لا شك فيه أن ترامب سيكون هاجساً لهم في حال جرى انتخابه، بل وللأميركيين أنفسهم، فقد أحدث سلوكه في الحملة الانتخابية انقساماً حاداً في الشارع الأميركي، وبات ينظر إليه من غالبية الأميركيين، وفقاً لاستطلاعات الرأي، باعتباره مصدراً للكراهية داخل المجتمع الأميركي، وبين الولايات المتحدة والعالم.
بالمقابل، مرشحة الحزب "الديمقراطي"، هيلاري كلينتون، تمتلك خبرة سياسية واسعة، واستفادت من أخطاء ترامب وشطحاته، وتعاملت في حملتها الانتخابية بالحذر المعروف عنها، ففي العديد من القضايا، مثل الهجرة والضمان الاجتماعي والمرأة، اتخذت مواقف على يسار ترامب، إلا أن مواقفها ليست كذلك فيما يتعلق بكل ملفات السياسية الخارجية والتجارة، على سبيل المثال فاجأ ترامب الجميع في مناظرة بين مرشحي الحزب "الجمهوري"، في شباط/فبراير 2016، بموقفه من القضية الفلسطينية، بتأكيده أن لا يمكن تحقيق تسوية للصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي "بتصنيف طرف بالخيِّر والآخر بالشرير"، وأضاف أنه يجب على المفاوض (الوسيط) " ألا يتبنى موقف طرف ضد آخر".
مغبة البناء على ما قاله ترامب بخصوص رؤيته للتسوية في الشرق الأوسط، أن موقفه الداعم لإسرائيل لا يختلف جوهرياً عن المواقف التقليدية للسياسيين الأميركيين المنحازة كلياً، وفي شكل عام مواقف كلينتون تظل دون إثارة هواجس كبيرة، لاسيما بالنسبة للأوساط الرسمية في كثير من البلدان العربية والإسلامية، لاسيما دول الخليج العربية وإيران.
ترامب شن هجوماً كاسحاً على المملكة العربية السعودية، في شهر نيسان/أبريل الماضي، اتهمها فيه بأنها لا تدفع للولايات المتحدة ما هو مطلوب منها مقابل حمايتها، وأضاف: "السعودية قائمة بفضلنا نحن. وعليها أن تدفع لنا، سواء أحبت ذلك أم لا. نحن نحمي السعوديين بدفع أثمان باهظة، ولا نحصل على شيء بالمقابل.."، والشيء نفسه ينطبق على موقفه من باقي دول الخليج العربية. ولم يكن موقفه من إيران أقل عدائية، بانتقاده للاتفاق النووي الذي وقعته السداسية الدولية مع طهران، ويمكن مد هذا على معظم القضايا العربية والإسلامية.
بالطبع مراهنة بعض العرب على كلينتون لا تصب في هذا الاتجاه، بل نحو حثها على التدخل العسكري في سورية، ومساعدة التحالف بقيادة السعودية في التدخل العسكري في اليمن، وتعزيز التحالف الأميركي- الخليجي، واتخاذ مواقف متشددة ضد إيران، والضغط على إسرائيل من أجل تسوية سياسية.. الخ..
مراهنة بائسة لا تستفيد من الخبرات والتجارب المتراكمة منذ عشرات السنين، لكن يبدو أن هواية بعض الناس تتمثل "تجريب المجرب"، والاستمرار في مثل هكذا مراهنة ضرب من العبثية، من شأنها أن تلحق الضرر بالمصالح العربية، ومآلها للإحباط عاجلاً أم آجلاً، والذي ينفع العرب أن "يحكّوا جلودهم بأظافرهم، وأن يبادروا إلى تسوية مشاكلهم الداخلية والبينية بدل أن تفرض عليهم حلول خارجية، كشفت سياسات إدارة أوباما عن أنها ستكون حلولاً مدمرة لوحدة البلدان والمجتمعات العربية التي تعاني من أزمات وحروب دموية، مثل سورية واليمن والعراق وليبيا، ولن تقدم الكثير في سبيل حل الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، الوضع سيكون أسوأ إذا ما بقيت أوضاع العرب على ما هي عليه من تداع وصراعات وفرقة وانقسامات.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)