كيف تقيم عملية تطبيع العلاقات الروسية — التركية؟ وقد ظهر على مدى الأشهر الـ 7 الماضية أن كلا البلدين لا ينوي التخلي عن التعاون مع الآخر…
للأسف في 24 نوفمبر من العام الماضي وقع حادث غير متوقع ومأساوي مع الطائرة الروسية وهو ما أحزننا وأدهشنا في الوقت نفسه. وبعد وقوع الحادث اتخذنا عدد من الخطوات الهادفة إلى إقامة علاقات مع روسيا، لكنها ، وبطبيعة الحال، كان رد فعلها على الحادث أكثر عاطفية، وأصبحت هناك فجوة في علاقاتنا.
نحن لم نكن نرغب في أن يحدث مثل هذا، فبلدان متجاوران وصديقان ليس من الضروري أن يكون لهما نفس الموقف من كل القضايا دائما، لكن هذه الأزمة لم تحقق أي فائدة لا لنا ولا لروسيا ولا المنطقة. وفي المستقبل سنبذل كل جهد ممكن لتطوير العلاقات.
ونحن نؤمن دائما أن روسيا ليست فقط دولة جارة، ولكنها شريك هام، ولهذا واصلنا اتخاذ خطوات تجاه تحسين العلاقات معها. وخلال هذه الفترة حرصنا على إيلاء أهمية كبيرة للهجة المتوازنة وضبط النفس في بياناتنا لروسيا، ولم نقم بفرض عقوبات ضد روسيا وفاء لعهدنا السابق بعدم الانضمام إلى هذه القيود الدولية ضد روسيا. وهكذا أصبحنا الدولة الوحيدة في حلف "الناتو" التي لم تدعم العقوبات، واستطاعت روسيا والشعب الروسي التحقق من هذا الأمر خلال هذه الأزمة.
ونتيجة لذلك وبفضل الخطوات المتخذة والمكاتبات والمكالمات الهاتفية واجتماع المتابعة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في سوتي، بدأت خطتنا المقررة تؤتي ثمارها الإيجابية. كما لعب الاجتماع الذي عقد في سانت بطرسبرغدورا هاما في هذه المسألة. وعلى أي حال، في رأيي أن تلك الفترة جعلت البلدين أكثر إدراكا لقيمة وأهمية أحدهما للآخر.
وما هي الآلية المتفق عليها للتعاون مع روسيا في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما سوريا؟
للأسف الوضع في سوريا يزداد تدهورا مع الوقت، ولا يمكن حل المشكل ةالسورية على المدى القصير باستخدام الوسائل العسكرية والحرب، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تحل من تلقاء نفسها. علينا أن نعمل معا من أجل التوصل إلى حل سياسي، وضمان التهدئة. وللأسف فإن المدنيين السوريين الذين قتلوا اليوم في سوريا وفي وقت سابق أيضا، قتلوا مع إعلان الهدنة، التي للأسف انتهكت مرارا وتكرارا. نحن بحاجة الآن إلى إجراء معركة واسعة النطاق ضد المنظمات الإرهابية العاملة في سوريا.
وإذا لم يتم القضاء على الإرهاب، فإنه سيستمر في الانتشار إلى كافة أنحاء العالم مثل الوباء، مهددا تركيا وروسيا وأوروبا والكوكب بأكمله. لهذا من الواجب علينا إقامة تعاون وثيق في هذا الشأن. ونحن نعتقد أن المسألة السورية يمكن حلها إذا وحدت الأطراف جهودهم الخالصة لحل هذه الأزمة.
وقد قلنا مرارا وتكرارا، حتى في وقت الأزمة في العلاقات، إنه من غير الممكن تحقيق حل مستدام في سوريا من دون مشاركة روسيا.
الآن نحن نواصل إصرارنا على هذا، والأمر نفسه ينطبق على إيران، التي نتفاوض معها في الوقت الحاضر ونعتزم تعزيز التعاون في هذا المجال. ولا ينبغي لنا أن ننسى دول الخليج والدول الأوروبي. يجب علينا جميعا تقديم مساهمة إيجابية في في تلك القضايا المشتركة.
ونحن على قناعة بأن روسيا وإيران تدعمنا في حماية أمن حدود الدولة السورية ووحدة أراضيها، كما أنني على ثقة بأنه بفضل تعاوننا يمكننا حل هذه المشكلة.
في السابق حافظت روسيا وتركيا على التعاون العسكري في منطقة البحر الأسود وأجريا مناورات عسكرية مشتركة، اليوم نحن نرى المزيد والمزيد من المناورات التي يجريها "الناتو"، هل هناك أمل في العودة إلى ماضي التعاون في المنطقة؟
نحن لا نرغب في أن تصبح منطقة البحر الأسود بؤرة توتر، على العكس من ذلك نحن نرغب في أن تصبح منطقة استقرار وتعاون. ومن أجل ذلك يجب على الجميع بذل الجهد من أجل ألا تشكل تلك المنطقة خطرا على أحد،، لا تركيا ولا روسيا ولا بلدان أخرى.
في منطقة البحر الأسود تقع العديد من الدول مثل بلغاريا ورومانيا وجورجيا وغيرهم، ويجب عليهم جميعا أن يدركوا أنه إذا كان هناك تفهم فلن يحدث أي توتر، ولن يشكل أحد تهديدا للآخر. ومن ناحية أخر إذا كان هناك تطوير للتعاون فإن الجميع سيستفيد.
أنا أرسم صورة مثالية، والوضع في المنطقة لا يتطابق مع هذا دائما. وهكذا أصبحت شبه جزيرة القرم في الآونة الأخيرة مصدرا للتوتر في العلاقات بين الناتو وروسيا، بسبب الأحداث التي جرت في أوكرانيا. وجميع البلاد الواقعة في جنوب البحر الأسود أعضاء في الحلف بما في ذلك تركيا. وكان هناك توترا طبيعيا، لكن في قمة الحلف الأخيرة كان هناك جوا من فهم ضرورة الحاجة للحوار مع روسيا، وهذه الحالة يجب تعزيزها وتطويرها. وفي رأيي فإن كل المشكلات التي تواجهنا يمكن التغلب عليها بالحوار.
كيف تقيم آفاق التعاون العسكري — التقني مع روسيا؟
نحن نرغب في تعزيز صناعة الدفاع لدينا، وفي إطار هذا نحن عازمون على تطوير التعاون مع جميع الدول التي أعربت عن رغبتها في التعاون معنا في مجال تبادل التكنولوجيا والاستثمارات المشتركة والإنتاج.
وفي وقت سابق تعاطينا مع عدد من المبادرات مع حلفائنا في الناتو، لكن للأسف يبدو لنا أن الدول الأعضاء في الحلف يتهربون حين الحديث عن قضايا تبادل التكنولوجيا والاستثمارات المشتركة.
تركيا تعتزم تطوير صناعة الدفاع وتعزيز نظام دفاعها، وفي هذا السياق إذا كان الطرف الروسي يرغب في التعاون في هذا، فإننا على استعداد للنظر في إمكانية التعاون في هذا المجال. وقد تظهر حين ذاك مسألة كيف يمكن لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي أن تطور التعاون مع دولة ليست عضوة، لكن في المقام الأول هناك عدد من الدول الأعضاء التي تتعاون مع روسيا في هذا المجال.
وفي المقام الثاني إذا لم يكن هناك أحد يريد التعاون مع تركيا في هذا الصدد، فعلى الأقل لا تعرقلوا تركيا عن التعاون مع دول أخرى. هذا هو الأمر الرئيس ونحن نسترشد بمبدأنا الأساسي وهو الرغبة في التعاون لتعزيز الصناعة الدفاعية الخاصة وأيضا تعزيز نظامنا الدفاعي، وفي هذا الصدد نحن على استعداد للتواصل مع الدول التي ترغب في التعاون معنا في مجال الاستثمار وتبادل التكنولوجيا.
لماذا لم يقدم الغرب الدعم الكافي للسلطة التركية عقب محاولة الانقلاب؟ في حين دعمت روسيا القيادة التركية، ووفقا لبعض الخبراء الروس فإن محاولة الانقلاب قد تعثرت بسبب الموقف القوي والحازم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في الحقيقة، إن الموقف القوي للسيد أردوغان ومناشدته الشعب التركي عبر شاشة التليفزيون قد حفز الشعب التركي على الخروجح إلى الساحات والشوارع والمطارات في كافة أنحاء البلاد. واستمر هذا لمدة شهر، لمدة شهر لم يترك الشعب التركي الشوارع والساحات، وإذا لزم الأمر فإنه قد لا يترك الشوارع لمدة عام آخر. بكل تأكيد الفضل الأول في ردع محاولة الانقلاب هو للشعب التركي، الذي نزل بشجاعة إلى الشوارع وسد الطريق أمام الدبابات بصدره العار، لذلك لن تكون هناك كلمات كافية لوصفه ونحن فخورون بشعبنا.
نحن عادة ما نحصل على دعم شعوب البلدان الأخرى، ليس فقط الدول الإسلامية، وإنما أيضا دول غربية. الناس لا يخفون إعجايهم واحترامهم للشعب التركي. نعم السيد أردوغان زعيم جرئ وصريح وهناك شخصيات دولية وسياسية يعجبها هذا.
لكن وكما قال السفير السابق لدى أنقرة، فإن هناك الكثير من الناس الغير راضين مباشرة عن أردوغان، بسبب فضحه أخطائهم، وهم ينتظرون ويأملون أن تعود تركيا مرة أخرى كما كان في المرات السابقة وتطيع ما يطلب منها فعله وتصمت ولا تعبر عن رأيها، ويستمرون في تحديد سياسات تركيا، لكن أردوغان ليس من هؤلاء القادة "القدامى" وتركيا تغيرت ولم تعد تركيا القديمة والشعب التركي تفتحت أعينه، والآن يرى الحقيقة، ونحن سنستمر في قول الحقيقة.
وفي الواقع إن ذلك هو نفس السبب الذي يجعل العديد من الدول والسياسيين لا يحبون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو أيضا يقول لهم حقيقتهم في وجوههم ويكشف حقيقتهم. وهم يعتقدون أن روسيا وتركيا بلدان من الدرجة الثانية ويستائون كيف يمكن لهذه الدول "من الدرجة الثانية" أن تنتقدهم.
هم يعتبرون أن لهم فقط الحق في الحديث في مثل هذه الأمور علنا، لذلك تواجه مباشرة أردوغان وبوتين المقاومة، فهم يعانون من القلق الكبير والخوف. إنهم بحاجة لفهم أنهم ماداموا لا يغيرون سلوكهم سوف يشعرون دائما بالقلق وسيستمر قادتنا في إثارة الخوف والتوجس لديهم. يجب على الغرب أن يدرك ذلك في النهاية.
لقد قلت منذ وقت طويل إن هذا النهج فيما يتعلق بروسيا العظمى غير معقول وغير واقعي فمحاولات الترهيب وإذلال روسيا والتقليل من شأنها لن يمكن تحقيقها، والأمر نفس ينطبق على تركيا.
لماذا لم يف الاتحاد الأوروبي بوعوده لتركيا ويلغي نظام التأشيرات؟
للأسف في أوروبا يكرهون الأجانب ويخافون من المسلمين ولديهم "تركوفوبيا" والكراهية لكل المختلفين وذلك بسبب المواقف المعادية للأجانب وعدد كبير آخر من العوامل السلبية الأخرى. ونحن نرى هذا في العملية السياسية والأطراف التي كانت تفتقد للأصوات الراديكالية، فقد بدأوا بإظهار الميل للحركات القومية المتطرفة للحصول على دعمهم واستعادة الأصوات التي فقدوها.
في الواقع هم غير قادرين على تنفيذ كامل البنود الشعبوية والوفاء بوعودهم، وطوعا أو كرها أصبحوا يشاركون في هذه السياسة الشعبوية ويتأثرون بنفوذها. ونحن نتحدث عن ضرورة الالتزام بالشروط وبنود الاتفاقيات التي تم توقيعها.
ولا يمكن بشكل انتقائي قبول أو رفض بعض بنود الاتفاقيات، يجب أن تفعل كل شئ أو ألا تفعل شيئا على الإطلاق. وفي استجابتهم لموقفنا يتهموننا بالابتزاز والترهيب. لا، نحن لا نهدد أحدا ولكن لماذا تم توقيع هذه الاتفاقيات. يجب الوفاء بها وإلا لماذا تم التوقيع عليها؟
من كان المستفيد من تدهور العلاقات الروسية — التركية؟ وهل الطيارين اللذين أسقطوا الطائرة الروسية أعضاء في "الكيان الموازي"؟ وفي أي مرحلة تجري التحقيقات مع ألب أرسلان تشيليك؟
من الواضح تماما أن الأزمة في علاقاتنا لم تكن مفيدة لا لروسيا ولا لتركيا، وفي الواقع لم تكن في مصلحة أحد، وفيما يتعلق بتشيليك، فقد أعيد فتح التحقيق الجنائي في قضيته وفي هذه اللحظة لا يزال مستمرا. والآن هو في السجن بتهم ارتكاب جرائم أخرى، وسوف يبقى هناك حتى يونيو 2017. والتحقيق لا زال جاريا وقد قال المدعي العام إنه إذا كان لدى روسيا معلومات يمكن أن تساعد في التحقيق يمكنها إرسالها لتركيا وسوف يتم دراستها وضمها لملف القضية. وبعض الطيارين الذين شاركوا في الحادث اعتقلوا للاشتباه في تورطهم في محاولة الانقلاب وانتمائهم للكيان الموازي. وهذه العملية يجب إتمامها بعناية كبيرة ودراسة كافة الظروف ، وأعتقد أنه من الخطأ الخوض في تفاصيلها.