اللافت أن واشنطن التي راقبت الأزمة في اليمن لفترة طويلة ومن خلف الكواليس، حتى أيقن الكثير من المراقبين أن أولويات سياسة الإدارة الأمريكية لم تتضمن الأزمة في اليمن، تاركة حرية الحركة للرياض. ومع فشل المفاوضات التي تتم برعاية الأمم المتحدة، وتعثر الحسم العسكري الذي كانت تعتقده المملكة بأنه سريع، يقف المجتمع الدولي خصوصا الرياض وواشنطن أمام خيارات صعبة تجاه مستقبل ومصير اليمن، مواجهة الحقيقة التي تعكسها الأوضاع في هذا البلد الفقير.
اليمن الحزين
بعد سنوات من الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية وما كشفته الإدارة الأمريكية من وجود مستشارين عسكريين يشاركون قوات التحالف في ضرب اليمنيين، لم يحصد اليمن سوى الحزن والألم الذي يرافق الملايين من الجوعى مع تصاعد العمليات العسكرية وتكثيف إطلاق الصواريخ التي لا تعرف سوى لغة التدمير والتخريب، حتى اختلط الهواء وكل مظاهر الحياة في البلاد برائحة الموت الذي يسابق الشيطان في حصد ما تبقى من حياة هناك.
ورصد تقرير مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عددا من الادعاءات الخطيرة والانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في اليمن. وسلط التقرير الضوء، على وجه الخصوص، على التأثير المباشر على حياة المدنيين، وعلى الصحة والبنية التحتية، مشيراً إلى أنه خلال الفترة ما بين مارس/آذار 2015 و 23 أغسطس/آب 2016، قتل ما لا يقل عن 3799 مدنيا وأصيب6711 آخرين بجروح نتيجة للحرب في اليمن، وهناك ما يقرب من ثلاثة ملايين امرأة وطفل يعانون من سوء التغذية وما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص آخرين أجبروا على الفرار من منازلهم.
وجاء في التقرير الذي نُشر مؤخراً على موقع المفوضية "استمرار الصراع وآثاره المدمرة على السكان في اليمن ": على المجتمع الدولي واجب قانوني وأخلاقي لاتخاذ خطوات عاجلة للتخفيف من المستويات المروعة لليأس البشري.
واشنطن وذر الرماد في العيون
قال وزير الخارجية الأميركي إن مباحثاته في جدة تركزت على خطة تهدف إلى توحيد المسار السياسي والأمني في اليمن، وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع الأطياف فيه، والتي تكون ملتزمة بالمعاهدات الدولية ولا تهدد الممرات الدولية، داعياً كافة أطراف الأزمة للموافقة على المبادرة للوصول إلى حل سياسي.
تكلفة الحرب في اليمن باهظة على الرياض التي تعتمد على أكبر ميزانية عسكرية في العالم. ومصلحة الولايات المتحدة في استمرار فتيل الصرعات مشتعلا، حتى تتمكن من بيع كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والإمدادات العسكرية الأخرى للأطراف المنخرطة في أحداث اليمن وسوريا والعراق وليبيا.
اللافت أن التحرك الأمريكي جاء بينما تستعد إدارة أوباما للخروج من المشهد السياسي الأمريكي والدولي، وقبل شهور قليلة من الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في ظل تساؤلات حول جدوى التحرك والمبادرات التي يطرحها كيري، وما إذا كانت ستحظى بتأييد وموافقة الإدارة الأمريكية الجديدة أم سيكون لها رأي مختلف خاصة في ضوء فشل أوباما في تحقيق أي إنجاز على مدار ثمان سنوات من ولايته.
فشل سياسي وعجز عسكري
العمليات العسكرية لم تنجح سوى في تدمير البلاد وتشريد الملايين، والعودة إلى فكرة التقسيم ما بين الشمال الجنوب. فشل الجهود السياسية التي تمت برعاية أممية ووفق قرار مجلس الأمن رقم 2216 والذي يدعو إلى عودة حكومة هادي، دفع المعارضة التي يقودها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) إلى الإعلان عن تأسيس مجلس أعلى لإدارة شؤون اليمن، بما يمثل تحديا واضحا للملكة العربية السعودية ورفض الاعتراف بحكومة هادي التي تقيم في الرياض.
وكذلك يعكس المشهد الميداني حجم العجز الذي وصلت إليه العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف بمساعدة خبراء عسكريين أمريكيين، مع تكثيف الغارات الجوية التي حولت أغلب مناطق اليمن إلى مناطق أشباح خالية من السكان، مع تأثير تلك الحرب على الاقتصاد السعودي الذي كشف عنه ولي ولي العهد محمد بن سلمان، في خطة الإصلاح الاقتصادي 2030.
الخلاصة
الحقيقة الوحيدة هي أن مستنقع اليمن الذي تورط فيه التحالف، لن يكون من السهل الخروج منه، في ظل المشهد الراهن الذي يفوح برائحة الموت والخراب، كما أن استمرار الحرب يغذي الشعور بالكراهية لدى شريحة كبيرة من الشعب اليمني تجاه كافة الدول الداعمة للحرب، شعور يمكن أن يتواصل للأجيال المقبلة. خيارات الرياض أصبحت صعبة بما فيها خيار وقف الحرب والانتصار للحوار السياسي، ومع عدم الاعتراف بالعجز عن حسم المعارك والفشل السياسي في الاحتواء، فإن استمرار رحى الحرب ستكون باهظة التكاليف السياسية والاقتصادية والأمنية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)