نجحت جهود الوساطة الكوبية والنرويجية المشتركة في توصل الحكومة الكولومبية وحركة القوات المسلحة الثورية "فارك" إلى اتفاق سلام بينهما، بعد مفاوضات شاقة تواصلت على مدار أربع سنوات. ووقع الطرفان المتحاربان على الاتفاق يوم الأربعاء الماضي في هافانا، ويعوّل على هذا التحول في مسار الحرب الأهلية الكولومبية أن ينهي الصراع الدموي الذي بدأ عام 1974، وأدى إلى سقوط 260 ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى و45 ألف مفقود، وتسبب بنزوح 6.9 مليون شخص.
الاتفاق ليس الأول من نوعه، فقد فشلت ثلاثة اتفاقات قبل ذلك في الأعوام 1984- 1991- 1999، إلا أن الاتفاق الجديد يحظى بفرص كبيرة للتنفيذ، لاستفادة المفاوضين من تجارب الاتفاقات السابقة في وضع حلول للعديد من القضايا الخلافية، إذ تنص عملية تنفيذ الاتفاق على أن تلقي حركة "فارك" السلاح، وأن تتحول إلى حركة سياسية شرعية، وأن تقوم بتسريح الأطفال المجندين في صفوفها، فور التوصل إلى اتفاق حول البروتوكول والخطة الانتقالية للإيواء.
كما تنص العملية على اتخاذ إجراءات تتعلق بالقطاع الزراعي وبرنامج لتأمين بدائل عن الزراعات غير القانونية التي تشكل مصادر تمويل للمجموعات المسلحة، وتعويض ضحايا الحرب وإصدار عفو يتيح مشاركة مقاتلي حركة "فارك" الذين يتم تسريحهم في الحياة السياسية، وإنشاء منظومة قضائية تعنى بإحلال السلام، وتتولى النظر في الجرائم الأكثر خطورة، والبت بمصير المشتبه بهم في ارتكابها.
نقاط إيجابية استطاع مفاوضو الحكومة الكوبية وحركة "فارك" إنجازها، وصفها الوسيط الكوبي، رودولفو بينيتز، بأنها تاريخية وحاسمة، ورحب بها الرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس. بالمقابل ثمة نقاط أخرى ربما تهدد بتعطيل تنفيذ الاتفاق، بعضها يتعلق بالكيفية التي ستتعاطى فيها الحكومة مع الالتزامات الواجبة عليها في اتفاق السلام، لاسيما توفير سبل إعادة اندماج مقاتلي حركة "فارك" في المجتمع، وتوفير فرص عمل لهم، ومشاركتهم في الحياة السياسية كباقي المواطنين الكولومبيين، وهناك تكهنات بأن الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس سانتوس، للمصادقة على اتفاق السلام، ربما لن تكون نتيجته بمستوى الطموح، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنه سيلقى معارضة شعبية ليست بسيطة، وإذا ما صحت هذه التقديرات سيؤثر ذلك سلباً على تنفيذ الاتفاق.
كما تطرح تساؤلات حول مدى التزام كل المجموعات المقاتلة في صفوف حركة "فارك" بتنفيذ اتفاق السلام، وهو ما سيجيب عليه المؤتمر الوطني لحركة "فارك"، الذي سيعقد من 13 إلى 19 أيلول/سبتمبر المقبل، في سهل ياري في سان فثينتي ديل كاوان، المعقل السابق للتمرد في جنوب البلاد، بحضور 200 مندوب من الحركة، بينهم الأعضاء الـ29 من القيادة المركزية.
حركة "فارك" أعلنت في بيان صادر عنها أنه سيكون المؤتمر الأخير لها كحركة مسلحة، وكبادرة ذات مغزى قرّرت أن يكون مؤتمراً علنياً مفتوحاً لأول مرة في تاريخها، بحضور العشرات من الشخصيات السياسية الكولومبية والأجنبية، وسيتاح للصحافة تغطية وقائعه مباشرة. بيد أن اتفاق السلام ليس محل إجماع لدى كل الجماعات المسلحة المنضوية في إطار الحركة.
على سبيل المثال، استبق فصيل أرماندو ريوس التوقيع على اتفاق السلام بإصدار بيان أكد فيه أنه لن يلتزم بالاتفاق ولن يلقي السلاح، وسيواصل المعركة بمعزل عن القرار الذي اتخذه باقي أعضاء الحركة، وأضاف: "إن الاتفاقات التي يتم التوصل إليها في المحادثات لن تحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي كانت الدافع الأول للمتمردين لحمل السلاح قبل أكثر من 5 عقود". ورغم أن فصيل أرماندو ريوس يعد من أصغر الجماعات في حركة "فارك"، غير أنه لا يجب إهمال الموقف الذي يعبر عنه، لأنه مرشح لاجتذاب الكثيرين من مقاتلي المجموعات المسلحة الأخرى في حال تعثر تنفيذ اتفاق السلام.
نقاط تدعو للحذر لكنها لا تلغي النقاط الإيجابية التي تم الاتفاق عليها، ومن المبكر الحكم على نجاح فرصة إحلال السلام في كولومبيا، فالصورة لن تتضح إلا عندما يتم وضع خريطة طريق لتنفيذ اتفاق السلام، وبالتأكيد إن تذليل العقبات التي ستعترض طريقه لن تكون عملية سهلة.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)