تتعرض سوريا منذ حوالي ست سنوات لحرب إرهابية عالمية شعواء نالت من الحجر والبشر والشجر، ولم يبق أي قطاع من قطاعات الحياة في هذا البلد المنكوب بفعل الإرهاب ومن يقف خلفه من دول عالمية وإقليمية،بحثاً عن مصالح ضيقة، عابثين بكل الأعراف والقوانين الدولية والقيم الأخلاقية والإنسانية.
لم يبق أي قطاع من قطاعات الحياة دون أن تصيبه أضرار جسيمة انعكست بشكل سلبي جداً على حياة الشعب السوري وعلى قوته اليومي، ووقف العالم يتفرج خلال هذه السنوات على تدمير المعالم السياحية والإرث الثقافي والحضاري لهذا البلد، وتدميره ونهبه، بشكل سافر ممنهج، يهدف إلى القضاء على هوية هذا البلد بكافة مكونات شعبه السياحية والحضارية والتاريخية العريقة، ولم ينج من إرهابهم أي شيء يقع أمامهم أمام سيل الدماء السوري البريء، وفي ظل ظروف إنسانية قاسية بسبب فرض شتى أشكال الحصار على الدولة والشعب السوري. وبطبيعة الحال تعتبر سوريا من البلدان السياحية الجميلة التي تخلد فيها أوابد تاريخية وحضارية تشهد على تاريخ الشعب السوري العريق، وجزء هام من هذه الأوابد يعتبر إرثاً حضارياً عالميا ملك الإنسانية جمعاء، تزينه الكثير من المناطق والمعالم السياحية الجميلة التي اشتهرت بها سوريا على مر الزمان.
فما هو حال السياحة السورية في ظل هذ الظروف القاسية؟
وكيف تتعامل وزارة السياحة السورية مع هذا الواقع الصعب وخاصة في ظل تضليل إعلامي حول الأوضاع في سوريا وحول كافة مجالات الحياة؟
حول هذا الواقع، وحول حقيقة الواقع السياحي في ظل ظروف الحرب على سوريا، وحول الأضرار التي أصابت هذا القطاع الحيوي الهام للدولة، كان لنا حواراً خاصاً مع وزير السياحة المهندس بشر يازجي.
إليكم تفاصيل هذا الحوار.
سبوتنيك: أنا لم أرد أن أدخل في مقدمة طويلة للحديث عن السياحة في سوريا وتاريخها العريق، وإن شاء الله تنتهي هذه الحرب على سوريا قريباً. نحن نتابع نشاطاتكم الشخصية ونشاطات الوزارة من أجل حماية المعالم السياحية والإرث الحضاري العريق لسوريا، لكن توجد هناك صراحة هجمة إعلامية من قبل بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي تتجه باتجاه معاكس لما تقدمونه من ترويج للسائح العربي والأجنبي، ويقولون إنه لا يخاطب الواقع الحقيقي الذي تعيشه سوريا. لذلك اسمح لي سيادة الوزير أن أطرح أسئلة بسيطة حول السياحة السورية. أولها كم بلغ عدد السياح في الداخل السوري، خاصة أنكم قمتم بعمل كبير بتنشيط السياحة الداخلية لتعويض غياب السائح الأجنبي بسبب الأحداث؟
سبوتنيك: هل يمكن أن نتحدث عن إحصاءات تدل بالأرقام على الاهتمام بالسياحة السورية في هذا الموسم؟
الوزير: نحن بالنسنبة لنا نؤكد في البداية وكوزير سياحة بالأرقام والبيانات، أن السياحة الداخلية كانت مستمرة بشكل كبير جداً، يعني حتى تاريخ اليوم لا يوجد غرفة شاغرة في الساحل السوري، أو في منطقة حمص الغربية، فنادق دمشق خمس نجوم وأربع نجوم ممتلئة أيضاً بنسبة أكتر من 90 بالمئة في هذا الوقت من السنة وفي أوقات الميلاد، بمعظم الأوقات تكون أرقام الإشغالات كبيرة جداً وليس فقط في فنادق خمس نجوم وأربع نجوم، حتى في الشاليهات وفي كل المناطق السياحية، معتمدين على إرادة الحياة لدى الشعب السوري، نحن نحب أن نؤكد أن وزارة السياحة بإنتاجها لعشرات المقاطع الترويجية، تهدف إلى الإضاءة على الجانب الحضاري وما تمتاز به سورية، والنقطة المهمة أن هذه المقاطع الترويجية لتسليط الضوء على جمال البلد الذي يتآمر العالم عليه لتدميره، وتظهر صلابة الشعب السوري وقوة إرادة الحياة لدى الشعب السوري ومجابهته لكل من يستهدفه بسلاح الإرهاب.
سبوتنيك: لكن سيادة الوزير لم تقل لي ما هي نسبة الأجانب في هذه السياحة؟
الوزير: في عام 2015، تجاوز عدد السياح 500 ألف زائر، كان معظمهم يتركز في مجال السياحة الدينية المسيحية والإسلامية، وهذه كانت نقطة هامة جداً، والنقطة التي أحب أن أركز عليها دائما، هي سياسية الوزارة بالمجمل كانت تتجه نحو سياحة العائلة السورية، وخاصة الفئات المحدودوة الدخل والسياحة الريفية، إلى جانب المغتربين السوريين، والسوريون وحدهم يعلمون تماماً، ويدركون واقع الحال في سورية، وكم التهويل الذي تمارسه جهات باتت معروفة، وطبعا تدعمها مكنات إعلامية بطريقة ببغائية مريبة، والذي أريد ن أؤكد عليه لكل مستمعي سبوتنيك، هو أنه يجب أن تدرك شعوب العالم منفصلة عن حكوماتها، أن تدرك مدى الخسارات الكبرى التي تلحق بالبشرية بسبب استمرار الحرب على سورية وشعبها، وندرك جيداً أن كل من ينتمي إلى الإنسانية والحضارة، ستصيبه الحرقة والندم أمام الأذى الذي لحق ولايزال بسورية وشعبها ومقدراتها.
سبوتنيك: ماهي مدى نسبة التحسن في السياحة السورية مقارنة مع الأعوام الماضية، يعني خلال فترة الحرب ونحن نعلم تماماً أن الأعمال الإرهابية نالت من جزء لا يستهان به من المواقع السياحية والأثرية التي تجذب السياح؟
سبوتنيك: سيادة الوزير ما هي الأماكن الأساسية السياحية الآمنة في سورية، وكيف يتم توفير السياحة للمصطافين في حالة الحرب في البلاد، فهنا لا بد من اتخاذ إجراءات معينة ومحددة، وأنت تعلم سيادة الوزير تماماً أن هناك الكثير من السياح أو المهتمين كانوا قد جاؤوا إلى سوريا رغم كل الظروف، لكن هناك جزء آخر من المهتمين والإعلاميين والسياح الذين ردتهم الأنباء والأخبار الواردة عن الأحداث في سوريا وعن المخاطر، ومنعهم أهلهم، منعتهم إداراتهم، منعتهم بلدانهم، وإلى ما هنالك؟
الوزير: طبعا هذا كما أكدنا هو جزء من الإرهاب الإعلامي الذي يستهدف سورية، وأنا أحب أو أؤكد أن وزارة السياحة السورية بالدرجة الأولى حريصة على أمن وأمان كل السواح السوريين، وأنا يمكنني أن أشبه سورية بالبلد الجميل جداً، أو بالبيت الجميل، كما لو عند شخص ما بيت جميل جداً وهو كريم ومضياف، ولكن حريص بنفس الوقت عندما يأتي الزائر أن تكون استضافته على قدر واف من اللياقة وتقديم كل الخدمات. اليوم سورية كما نعلم تعاني، ولا يمكن أن نكون منفصلين عن الواقع بأي شكل، اليوم سورية تعاني من الحرب، وهناك مناطق غير آمنة تماماً، وهناك نقاط تقع تحت سيطرة الإرهابيين، وهناك نقاط تماس أيضاً في مناطق مختلفة، ولكن ما لا يصوره وما لا يعرفه العالم أنه توجد مناطق سياحية آمنة في سورية.
سبوتنيك: مثل أي مناطق سيادة الوزير؟
الوزير: المناطق السياحية المعروفة دوماً أنها كانت مناطق سياحية، الساحل السوري الجميل، إن كان في الجبال أو في الساحل على الشواطىء، ومناطق حمص وريف حمص الغربي، مثل مرمريتا ووادي النصارى "وادي النضارة"، هذه المناطق مناطق سياحية بامتياز، وهي مناطق سياحية آمنة في منطقة الوادي، وفي دمشق عندنا إشغلات فندقية كبيرة جداً، هناك زوار ووفود إعلامية أو وفود تضامنية، وكما نعلم مؤخراً كان هناك لقاءات مع وفد من مجلس العموم البريطاني، وكانت هناك وفود تأتي من كافة دول العالم ومازالت مستمرة، إن كان من سياسين أو سواح أو إعلاميين يرغبون بمعرفة الحقيقة، بالإضافة إلى وفود تأتي بغرض السياحة، تأتي عبر مكاتب مختصة، وكما قلنا نحن حريصون على سلامة وأمن السائح بالدرجة الأولى، ونحن كما نعلم أن السائح أو الزائر عندما يأتي بشكل مسبق يحصل على الفيزا على الحدود، وسورية كان ولازالت وستبقى تفتح أبوابها أمام جميع زوارها، ومعظم الزوار الذين يأتون إلى سورية هم من الزوار الذين زاروا سورية سابقاً ويحبونها، ومتضامنون مع ما أصابها من الأضرار التي يسببها الإرهاب لهذا البلد. الأضرار طبعا كانت كبيرة جداً، وحلب من أكثر المدن التي تضررت، ونحن نعرف مكانة حلب السياحية، سواء كانت السياحة الثقافية، أو سياحة الأعمال، يمكن أن نرى الدمار الذي أصاب المنشآت السياحية في حلب القديمة، البيوت التراثية، السوق القديمة، الأضرار التي أصابت منشأت القطاع السياحي في كثير من المناطق وخاصة في ريف دمشق، لدينا عدد كبير من منشآت القطاع السياحي تضررت بشكل كبير في سورية، ولكن إرادة الحياة ومحبي سورية يؤكدون أن هذا الضرر هو ضرر مرحلي ولا يؤثر على مستقبل السياحة في سورية، يعني هذه الأرقام التي نراها في سورية تؤكد أنه بحلول الأمن والأمان سيكون هناك مستقبل سياحي مزدهر، وخاصة أنه بات لدينا في سورية قصص كثيرة عن الحياة وما جرى، والسياحة في حقيقة الأمر قصص، وكما نعلم أصبح هناك قصص كبيرة جداً عن مناطق بحد ذاتها، أعتقد أنها ستكون نقاط جذب لمعرفة حقيقة ما كان يجري في سورية.
سبوتنيك: ودور الإعلام محوري في الأمر صراحة.
الوزير: طبعاً دور الإعلام كبير ومهم جدا، ونحن نعلم أن سورية تتعرض لإرهاب إعلامي، أول ما استهدف هذا الإرهاب استهدف صورة سورية الحضارية، استهدف صورة سورية ومكانتها إن كان من الجانب الجغرافي والطبيعي والإنساني والحضاري، رأينا كيف أن الأماكن والمواقع الأثرية استهدفت من أجل التدمير ومن أجل السرقات لتمويل الإرهاب، عن طريق دول طبعا وبروكرز موجودين في مناطق أخرى بجوار سورية وخاصة في تركيا، وباختصار أنا أعود وأؤكد أن عددا كبيرا من المنشآت السياحية عاد إلى العمل في سورية، ولا أحد يعلم أن أكثر من 700 منشأة عادت إلى العمل خلال عامي 2014 و2015، وهناك فنادق ومشاريع بدأت بالعودة إلى العمل، وسيتم افتتاح مشاريع جديدة، ولدينا عدد كبير من تراخيص المشاريع السياحية في السويداء على سبيل المثال، وهناك خطة تضعها وزارة السياحة من أجل تقديم المساعدات الكافية للمستثمرين في القطاع السياحي خلال الفترة القادمة، ولدينا ملتقيات للاستثمار السياحي، لتنشيط المشاريع، وتنشيط عمل أصحاب القطاع الخاص الذين تعثروا مالياً بسبب هذه الحرب، وبسبب ضعف التمويل، وبسبب العقوبات المفروضة. وأريد هنا أن أؤكد على نقطة هامة جداً، وهي أن السياحة في سورية اليوم لا تأتي بمفهوم الترفيه، وإنما تأتي بمفاهيم أخرى هادفة، فاستمرار المنشآت السياحية وبدء مشاريع سياحية جديدة، وإعادة إحياء عمل عدد من المشاريع السياحية المتضررة، هو دليل إرادة حياة، نحن نحاول في وزارة السياحة إعادة البسمة إلى الطفل السوري في زمن الحرب، ونحن نعلم الأضرار الاجتماعية من خلال الإرهاب الاقتصادي والإرهاب الاجتماعي الذي مورس بحق السوريين، وأعود وأؤكد أن العقوبات التي فرضت على سورية أثرت بشكل أو بآخر حتى على القطاع السياحي من جوانب أخرى.
مثل العقوبات المفروضة على الطيران السوري ـ منعت الكثير من الزوار القدوم إلى سورية، وهناك العقوبات المصرفية، واليوم أي زائر يأتي إلى سورية لا يستطيع استخدام "كريديت كارت" على سبيل المثال، بسبب العقوبات المصرفية، وحتى على الشركات السياحية التي تعمل بمنظمومة "بي إس بي" الخاصة بالحجوزات الإلكترونية، لذلك نعلم أن هناك من المنشآت السياحية تعتمد على الكهرباء والخدمات المتوفرة، والخدمات في ظل الحرب باتت أقل، ولكن أصحاب المنشآت أبوا إلا أن يستمروا بتشغيل منشآتهم رغم الظروف الصعبة، ونؤكد نحن اليوم في وزارة السياحة السورية، أننا نركز على سياحة العائلة السورية بتكاليف محدودة، من خلال تركيزنا على الشواطىء المفتوحة المجانية، ومن خلال تركيزنا على المتنزهات ومن خلال تركيزنا على كافة المنشآت وبكافة السويات، اليوم في سورية يوجد منشأت 4 نجوم، ومنشأت بدرجة 5 نجوم، وقد تكون تراجعت بعض الخدمات نتيجة التجديد، ولكن بنفس الوقت هناك منشآت جديدة، وهناك منشأت سياحية جديدة بدأت تفتح بسوية نجمتين وثلاث نجوم، نحن نركزعلى كافة شرائح المجتمع السوري.
إعداد وتقديم نواف إبراهيم.