مرَّر مجلس النواب الأميركي يوم أمس مشروع "قانون مقاضاة السعودية"، الذي يسمح للمحاكم الأميركية بقبول دعاوى تعويضات ضد المملكة السعودية من قبل عائلات ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، على خلفية مزاعم بتورط السعودية في تلك الهجمات. ومن شأن هذا القانون أن يضع العلاقات بين الرياض وواشنطن على صفيح ساخن، رغم تأكيد مسؤولين في البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد هذا القانون.
القانون يشكل مأزقاً مزدوجاً للإدارة الأميركية والحكومة السعودية، فغالبية المشرعين الذين وقفوا وراء القانون ينتمون إلى الحزب "الديمقراطي"، بينما لقي كتفاً بارداً من الأعضاء "الجمهوريين"، وفي ظل وجود أنباء تم تداولها سابقاً أشارت إلى أن المرشحة الرئاسية عن الحزب "الديمقراطي"، هيلاري كلينتون، أعربت عن تأييدها للقرار عندما عرض أمام مجلس الشيوخ الأميركي، في شهر مايو/أيار من العام الجاري، ستجد الرياض نفسها أمام ورطة ستفرزها الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، ففي حال نجحت مرشحة الحزب "الديمقراطي"، هيلاري كلينتون، من غير المستبعد أن يتم تفعيل قانون "مقاضاة السعودية"، مما سيؤدي إلى تدهور دراماتيكي في العلاقات الأميركية — السعودية، وغني عن القول أن آخر ما تتمناه الرياض نجاح مرشح الحزب "الجمهوري"، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية، نظراً لآرائه العدائية تجاه المملكة السعودية، كما عبِّر عنها في الخطوط العامة لسياسته الخارجية.
وبغض النظر عن واقعية التهديد السعودي، وقدرة الرياض على تنفيذه عملياً، لأن من الصعب جداً بيع هذا الكم الضخم من الأصول المالية، فضلاً عن الأضرار الكبيرة التي ستلحق بالاقتصاد السعودي، سيؤدي إعلان المملكة السعودية عن نيتها تنفيذ القرار إلى اضطرابات في الأسواق العالمية. وربما ستكون السعودية المتضرر الأكبر، إلا أن الولايات المتحدة ستلحق بها أيضاً خسائر فادحة، فالسياسات المالية والنفطية السعودية من العوامل المهمة للحفاظ على الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم، والتفاهم السعودي — الأميركي القائم منذ سبعينيات القرن الماضي هو الذي أوجد ظاهرة تزاوج الدولار والسلعة النفطية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأصول المالية السعودية في الخارج انخفضت بشكل كبير، ووفقاً لتقرير صادر عن "مؤسسة النقد العربي" بلغت "السندات الأجنبية التي تمتلكها المملكة في الخارج 395 مليار دولار في فبراير/شباط الماضي، مما يشكل انخفاضاً حاداً مقارنة بنهاية 2014 عندما بلغت تلك السندات 533 مليار دولار".
الاحتجاجات على القانون لم تقتصر على الجانب السعودي فقط، بل حذرت جهات سياسية وقانونية من تبعاته على الولايات المتحدة نفسها في المستقبل وعلى حلفائها، لأنه يفتح ثغرة يمكن أن ترتد عليها، إذ حذر مسؤولون في البيت الأبيض من أن القانون المذكور "يقوض الحصانة السيادية للدول الأجنبية، وعلى حد قول جوش إيرنست، الناطق باسم البيت الأبيض: "إن هذا القانون سيغيّر القانون الدولي التقليدي إزاء حصانة الدول، ويخشى الرئيس أوباما أن يضعف هذا القانون موقع الولايات المتحدة في مواجهة أنظمة قضائية أخرى في العالم".
ما بين التحذيرات والتهديدات السعودية ورفض البيت الأبيض لـ"قانون مقاضاة السعودية"، واحتجاج بعض السياسيين وخبراء القانون الأميركيين، خيط واصل يفتح على أسئلة صعبة حول مستقبل علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع بلدان الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لاسيما أن من المتوقع وقوف حكومات الخليج إلى جانب الرياض، بينما تشير الوقائع إلى أن العلاقات الأميركية — السعودية والخليجية تتجه نحو كابوس دبلوماسي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)