واللافت أن هيلاري كلينتون، مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة، كانت قد أعلنت عن تأييدها لمشروع القانون وتعهدت بالعمل مع الكونغرس لما قالت عنه "محاسبة المسؤولين عن هجمات سبتمبر حال انتخابها".
ليست الرياض وحدها المستهدفة
مشروع القانون يسمح لضحايا الإرهاب من المواطنين الأمريكيين برفع دعاوى قضائية ضد أي حكومات أجنبية، بدعوى الإهمال أو عدم التقدير الصحيح لمواجهة خطر الإرهاب. في ظل اتهامات موجهة لعدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة بدعم الإرهاب.
ويبدو للوهلة الأولى أن مشروع القانون يستهدف بالأساس المملكة العربية السعودية. القراءة الدقيقة لمواد المشروع تشير إلى أن الرياض ليست الوحيدة في مرمى الهدف، وأن كافة الأجهزة الأمنية التابعة لدول أخرى أو تلك الأمريكية يمكن ان تواجه اتهامات برعاية العدالة، فضلا عن أن القانون سيكون بمثابة مفتاح لكل خزائن أسرار سياسة واشنطن حول ملف الإرهاب والتطرف، وآليات التعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة للدول الحليفة في الشرق الأوسط والعالم.
بمعنى آخر، أن أي جهة حكومية، أجنبية أو أمريكية، وأي جهاز أمني أمريكي أو تابع لدولة حليفة لواشنطن، يمكن أن توجه إليها أصابع الاتهام بالتقصير في محاربة الإرهاب أو دعم الجماعات المتطرفة لوجستيا وعسكريا، وبالتالي فمشروع القانون الذي تتمسك به شريحة كبيرة من الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونغرس بغرفتيه، البرلمان والشيوخ، يمثل تهديد جاد لكثير من الأجهزة الأمنية المتعاونة مع واشنطن المتهمة بالأساس بالوقوف خلف انتشار تلك الجماعات المتطرفة من افغانستان إلى إلى غرب أفريقيا مرورا بالمنطقة العربية وشمال القارة السمراء.
وكذلك فإن مشروع القانون من شأنه العصف بكل المباديء المستقرة للقانون الدولي المعاصر، ويخلق فوضى في العلاقات الدولية، خاصة أنه يتجاهل ثوابت قواعد القانون الدولي التي استقرت على أن القوانين الوطنية لا تسري على الدول ذات السيادة ولايجوز مقاضاة دولة امام محاكم دولة اخرى.
ابتزاز اقتصادي
وبعيدا عن الاتهامات الموجهة لأطراف إقليمية ودولية بالتورط في الأحداث الجارية في الدول العربية الكبرى، فإن الولايات المتحدة التي تواجه أزمة حقيقية في تعويض ضحايا أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وبالتالي فالهدف ربما يكون البحث عن سبيل لتوفير تلك المليارات المطلوبة لتعويض أهالي الضحايا والمتضريين من الأحداث.
تاريخ الولايات المتحدة يحمل الكثير من ممارسات الابتزاز الاقتصادي على عدد من الدول، من خلال تطبيق تشريعات أمريكية على عدد من الدول بذرائع مختلفة بهدف الاستحواذ على الأرصدة التابعة لهذه الدول داخل المؤسسات المالية المحلية والملزمة بتطبيق وتنفيذ أحكام القوانين الأمريكية.
القوانين والتشريعات الأمريكية لا يمكن تطبيقها خارج الأراضي الأمريكية، ولكن الأصول المملوكة للدول الأجنبية تظل الهدف أو الصيد الثمين الذي تبحث عنه الحكومات الأمريكية المتلاحقة. ما قامت به واشنطن تجاه السودان من خلال تطبيق تشريعاتها التي سمحت بمصادرة ما يقرب من 13 مليون دولار من أموال الشعب السوداني الموجودة في المؤسسات الأمريكية، فضلا عن محاولات الاستيلاء على أموال إيران في المصارف الأمريكية، من خلال استصدار أحكام قضائية تسمح بالوصول إلى تلك الأموال. مشروع القانون الجديد سوف يساهم في الاستيلاء على أموال الدول الأجنبية خاصة الخليجية بذريعة دعم الإرهاب.
دور مؤثر وواضح لأموال دول الخليج في الاقتصاد الأمريكي، ويكفي الحديث عن حجم الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأمريكي، التي تبلغ ما يقرب من 750 مليار دولار، ما بين استثمارات مباشرة وأصول خزانة والمشاريع الاقتصادية الضخمة، ناهيك عن حجم أموال كل من الكويت والإمارات وسلطنة عمان وقطر. فهل تستفيد دول الخليج من التجربة السودانية والإيرانية وتتخذ إجراء جادا للحفاظ على أموالها من الابتزاز الأمريكي، أم أن عملية فك الارتباط مع واشنطن لا تزال تمثل قرارا صعبا وتخضع لاعتبارات سياسية ربما تكون معروفة للبعض؟.
الخلاصة
لا شك أن سياسات الولايات المتحدة تستهدف تقويض أسس النظام العالمي، وأن محاولات السيطرة والهيمنة وفرض رؤية واحدة على المجتمع الدولي وعدم الالتزام بالمواثيق الدولية، والاستمرار في تجاهل مصالح الأطراف الأخرى، وانتهاك الشرعية الدولية في إدارة الأزمات على الساحة الدولية، بمثابة اللعب بالنار التي يمكن أن تصل إلى مرحلة تكون فيها خارج السيطرة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)