في هذه الواقعة رواية هامة يتداولها المسلمون، بشأن أوصاف محددة كانت موجودة مسبقاً لدى الكاهن الأكبر، الذي يملك المفاتيح، ولكن الواقعة الأهم — من وجهة نظري- كانت رفض عمر بن الخطاب الصلاة داخل الكنيسة، ليس لعيب فيها، وإنما لئلا تكون صلاته إيذاناً للناس بانتهاكها وتحويلها إلى مسجد.
وحسب حديث أجريته مع الأنبا بولس حنا، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، قال لي خلاله "مع حلول فجر يوم 14 أغسطس/ آب 2013، وتحرك أولى مدرعات الجيش المصري لفض اعتصام رابعة العدوية، تحركت جحافل الإخوان، لتستهدف الكنائس في طول مصر وعرضها، ورغم أن إحدى الإحصائيات قالت إنه خلال 24 ساعة فقط بعد فض الاعتصام، أحرق الإخوان 52 كنيسة، إلا أن الرقم الحقيقي كان 75 كنيسة احترقت، وهوجم الأقباط في أكثر من 195 قرية، وتم الاعتداء على منازل ومتاجر وصيدليات وممتلكات خاصة، ووقعت حالات اختطاف كثيرة".
وعن التحديات التي تواجه أقباط مصر في الوقت الحالي، تحدث الكاتب الصحفي عادل جرجس، بـأحد مقالاته، عن أزمة قانون بناء الكنائس الجديد، الذي وافق عليه مجلس النواب مؤخراً، والذي اعتبرته الكنيسة مكسباً تاريخياً، بينما يعتبره بعض النشطاء الأقباط ينتقص من حقوق الكنيسة، خاصة مع الحديث عن عدم السماح للمسيحيين بتملك الأراضي التي ستبنى عليها الكنائس، بل يكون لها حق الانتفاع.
ويوضح جرجس، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رداً على الجدل الدائر بسبب القانون حاليا، أصدر قراراً جمهورياً، بالترخيص لطائفة الأقباط الأرثوذكس بإنشاء كنيسة أبي سيفين والأنبا مقار، دون أن تتقدم الكنيسة بطلب او استيفاء أي شروط، وهو ما اعتبره رسالة للأقباط، بأنه يشعر بتخوفهم ويعلم باحتياجهم دون طلب، وأن ممارسة الشعائر الدينية حق للجميع لن يستطيع أحد تقييده.
على الجانب الآخر، نجد دول الخليج — مثلا- تضم ملايين المسيحيين، ولكنها تكاد تخلو من الكنائس، فحسب إحصاء للموقع الرسمي للفضائية العراقية "عشتار"، فإن إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي بلغ 46.800.000 نسمة، منهم 13 مليون وافد، يشكل المسيحيون 20% منهم، أي نحو 3 ملايين مسيحي، يتوزعون على ست دول، والكتلة تتواجد في السعودية، ومسيحيو الخليج، خليط من العرب والآسيويين والأوروبيين، وهم من الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والأقباط في غالبيتهم.
وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية من حيث عدد المسيحيين، حيث يوجد بها نحو نصف مليون، تخدمهم 7 كنائس، وفي الكويت يوجد 450 ألفاً، تخدمهم 10 كنائس، ويوجد اتجاه لزيادة أعدادها، بينما تحرص عمان على بناء مجمعات كنيسة، بلغ عددها 5 تخدم 300 ألف مسيحي، ومثلها 5 كنائس في قطر تخدم 200 ألف مسيحي، وفي البحرين توجد 4 مجمعات، تخدم 250 ألفاً.. لتكون المحصلة النهائية، أن 3 ملايين مسيحي في دول الخليج، تخدمهم 30 كنيسة فقط.
أما في سوريا، التي كانت من أبرز الدول الحاضنة للمسيحيين في المنطقة العربية، كانت المفاجأة أن الكنائس لا تجد مرتادين، فحسب إعلان وزارة الخارجية الروسية الأربعاء 1 يونيو/ حزيران الماضي، فإن عدد السكان المسيحيين في سوريا انخفض مليونا واحدا، منذ بداية الأزمة في البلاد عام 2011، حيث قال مفوض الخارجية الروسية لشؤون حقوق الإنسان وسيادة القانون قسطنطين دولغوف، أمام مؤتمر "دور الأديان في العالم المعاصر"، أن "وضع المسيحيين في سوريا والعراق يبقى صعبا للغاية…حيث انخفض عدد المسحيين في سوريا منذ بداية النزاع المسلح هناك من 2.2 مليون إنسان إلى 1.2".
وفي لبنان، كشفت إحصائية أعدّها الباحث في الشؤون الديموغرافية والإغترابية الدكتور بطرس لبكي، إن عدد المسيحيين بلغ 47% من عدد السكان، بسبب تزايد هجرة المسلمين اللبنانيين مؤخراَ. أما عن أوضاع الكنائس في لبنان، فإن هناك 7 كنائس رئيسية، تندرج تحت كل منها طوائف كنسية متنوعة، ولكل طائفة منها مئات الكنائس للتعبد، لنجد أن عدد الكنائس للطائفة الواحدة قد يصل إلى مئات الكنائس، ما يجعل لبنان البلد الأكبر والأهم بالنسبة للمسيحيين في الوطن العربي.
ولأن فلسطين، وتحديداً القدس، تعد رمزاً للمسيحية وبداية الانطلاقة للعالم — لأنها تضم الأماكن الكنسية الأكثر قدسية، ككنيسة القيامة، وضريح مريم، وكاتدرائية الثالوث الأقدس، وكنيسة كل الأمم، وعلية صهيون وطريق الآلام — ما زالت السلطة الفلسطينية تناضل من أجل الإبقاء على هوية الكنائس، وتحديداً في الضفة، التي شهدت صراعاً مؤخراً، بعدما صادق وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها موشيه يعلون على ضم المجمع الكنسي "بيت البركة" لتجمع مستوطنات "عتصيون"، المقام بين مدينتي بيت لحم والخليل.
وحسب الدكتور إميل أبو قدر، عضو مكتب منظمة اليونيسكو في فلسطين وأستاذ الحضارات، فإن هناك محاولات لطمس التاريخ المسيحي، وسرقته ونسبه إلى الاحتلال الإسرائيلي، وتظهر دلالاته مع محاولات فرض إسرائيل سيطرتها على الكنائس الكبرى، واقتحامها من حين إلى آخر، بجانب التشريعات الجديدة التي تحاول فرضها لضم المناطق الأثرية المسيحية إلى ملكية الحكومة، أو إلى ملكيات خاصة لتدخل في نطاق مستوطنات إسرائيلية.
أبو قدر حذر من المحاولات الإسرائيلية، باعتبارها سرقة صريحة لتاريخ العالم، الذي شهد المسيحية قبل أكثر من ألفي عام، وتمكن من أن يبني من خلالها حضارات في الغرب، وبشكل خاص في روما وبريطانيا وفرنسا، فهناك تهديدات لمهد المسيح وكنيسة القيامة، وسرقة مجمع "بيت البركة" الكنسي دليل آخر على أن الممارسات الإسرائيلية في فلسطين لا تقتصر على احتلال الأرض، ولكنها تسعى لاحتلال التاريخ والتراث أيضا، وتزويره.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)