بما أن الأزمة ترتكز بالأساس على نتائج التفاهم الأمريكي الروسي من عدمه حول الطرق الصحيحية للخروج من الأزمة السورية المفتعلة نحو الحل السياسي الذي يرضي جميع أطراف النزاع السوري، ويرضي بطبيعة الحال أطراف التحالفات الدولية والإقليمية المتناحرة أصلاً بفعل تشابك المصالح وتناقضها معظم الأحيان لهذه الكيانات المتسلقة على قوانين وشرائع المجتمع الدولي، وعلى حساب دماء الشعوب المهدورة بغير حساب.
ونقصد بأطراف التحالفات بالتحديد هنا طرفين؛ الأول تحالف بقيادة روسيا يسعى إلى محاربة الإرهاب وتصحيح مسار عمل المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وثاني بقيادة الولايات المتحدة يسعى بكل ما عنده وغير آبه بالأعراف والقوانين والشرائع الدولية نحو استثمار الإرهاب إلى أكبر حد ممكن لخدمة مصالحه وأجنداته، بغض النظر عن الخلافات والنزاعات التي تنشأ جراء هذه السياسات والمخاطر التي يمكن أن تترتب عليها فيما بعد، في ظل واقع مرير يغض الطرف فيه عن الأعمال الإرهابية الإجرامية التي تمارس بحق الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وعلى راسها الشعب السوري الذي يواجه آلة الإرهاب منذ ست سنوات تقريباً.
المرحلة دقيقة جداً وتحتاج إلى الكثير من الهدوء والروية وخاصة من الطرف الذي يحكمه العقل والحكمة والقانون الدولي، وليس الطرف الذي تحكمه الرؤس الساخنة التي لا تأبه بما يمكن أن ينتهي إليه العالم، في ظل هذا الشلل الفكري الممثل بالعنف السياسي والعنف الميداني والخداع الذي أوصل الحالة السورية إلى هذا الحد من التعقيد و التوتر.
ونلحظ من خلال السياسة الأمريكية والغريبة أن الولايات المتحدة سعت بكل وسعها إلى تدويل القضية السورية بعدما عجزت عن تحقيق أي مكسب يعطيها حرية التفاوض في جنيف وأروقة المجتمع الدولي، رغم الدعم الهائل للمجامع الإرهابية والذي تمثل مؤخراً بقصف تلة الثردة بالقرب من مطار دير الزور العسكري التي يتواجد عليها موقع عسكري سوري، بهدف فتح الطريق لعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي للسيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي، ولكي تقطع الطريق على الجيش السوري في متابعة تقدمه نحو معقل هذا التنظيم الإرهابي في مدينة الرقة المجاورة، في ظل تخوف كبير من التقدم الواسع للجيش العراقي على كافة الجبهات التي تعتبر امتداداً جغرافيا داخل الأراضي العراقية للتنظيم والعكس بالعكس صحيح، أعقبه قصف لقوافل المساعدات الإنسانية الأممية المزعومة للشعب السوري المحاصر في حلب وغيرها من المناطق الأخرى، واتهام الجانبين الروسي والسوري دون أي دلائل يقبلها العقل والمنطق.
كل هذا جرى في الوقت الذي أثبتت فيه روسيا حقيقة كل ما حدث على أرض الواقع بالدلائل المادية القاطعة، من خلال الكشف عن قيام طائرة بدون طيارة قصفت القافلة، والآليات العسكرية لتنظيم "جبهة النصرة" التي رصدت وهي ترافق قافلة المساعدات قبيل أن يحدث تفجيرها، ليعود مسؤول في البيت الأبيض ويصرح للصحفيين قائلاً: إنه توفرت لدى الإدارة الأمريكية معلومات جديدة لما جرى، وأنهم يملكون معلومات استخبارية ولكن لن يفصحوا عنها. فعلاً شر البلية ما يضحك. لم تكن الولايات المتحدة تائهة في تاريخها كما هذه الأيام، فتصريحاتها العوجاء لم تعد تتناسب مع تصرفاتها الهوجاء من خلال سياستها في توجيه التهمة إلى الطرفين الروسي والسوري دونما أدنى دليل مادي بغباء لم يعهده تاريخ النزاعات الدولية.
هذا عدا عن الصورة التي تكونت أمام العالم جراء التصريحات الأخيرة بعد فشل الاجتماعات التي عقدت لأجل سورية وآخرها اجتماع مجموعة دعم سورية في نيويورك والمباحثات بين لافروف وكيري لم تخرج بأي نتائج تذكر، فكانت كأكبر دليل على شدة تعقيدات الموقف وحتى ذاهبة إلى المجهول.
على الضفة الأخرى من الأحداث أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستواصل مباحثات استئناف هدنة سوريا مع روسيا في الأيام القليلة المقبلة، لكنها تنتظر أن تقدم روسيا على "خطوات غير عادية" لاستئناف الهدنة التي انتهت في 19 سبتمبر/أيلول 2016، بموجب الاتفاق الروسي الأمريكي. وفشلت روسيا والولايات المتحدة خلال مباحثات جرت في نيويورك، الأربعاء الماضي، في استئناف اتفاق وقف العمليات القتالية بين القوات الحكومية السورية وجماعات المعارضة، والذي لم تلتزم به إلا القوات الحكومية السورية، كما أشارت إلى ذلك وزارة الدفاع الروسية. وحمّل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الجيش الحكومي السوري مسؤولية فشل موسكو وواشنطن في استئناف هدنة سوريا، بقوله إن هجوم الجيش السوري في حلب يمنع "مواصلة السير على نفس الطريق". ومن جانبه قال مسؤول في البيت الأبيض ما معناه إن الولايات المتحدة تشترط للموافقة على استئناف الهدنة في سوريا إقدام روسيا على "خطوات غير عادية"، مشيرا إلى "أننا سنكون مستعدين للاستماع إليهم (الروس) إذا عادوا بشيء ما هام. فما هذا الغباء؟ وما هذه الحالة الجنونية من التخبط الأمريكي؟ وإلى أين ستودي بالعالم إذا ما استمرت أمريكا بهذا التعنت والتضليل الفاضح؟
والأكثر من ذلك ما هي الغايات التي تريد تحقيقها الولايات المتحدة من خلال الذهاب بالقضية السورية إلى التدويل وإعاقة أي حل سياسي في الفترة الحالية؟
في وقت تحولت الأمم المتحدة إلى حلبة صراع دولي بين الخارجين عن القانون ممثلين بالولايات المتحدة، وبين من يريدون الحفاظ على السلم والأمن العالميين ممثلين بروسيا! نعم فشلت منظمة الأمم المتحدة في مواجهة الهيمنة الأمريكية على العالم، وفشلت هذه المنظمة في تقديم أي ردع من شأنه أن يوقف الدعم الأمريكي والإقليمي للإرهاب الدولي في سورية والمنطقة ككل.
اللافت للنظر هي الأوضاع في سورية. فعلى الرغم من قسوة الحصار والحرب الإرهابية الدموية على هذا البلد وشعبه الصامد في وجه الموت، نرى أن الدولة مازالت قائمة بكل مقوماتها ومؤسساتها وكياناتها السياسية والاقتصادية والعلمية والتعليمية والفنية والثقافية، الخ…وفي الوقت الذي يتقدم فيه الجيش العربي السوري مع حلفائه على كافة الجبهات، تسير عمليات المصالحة الوطنية كما تخطط له الدولة بما يخدم عملية تنظيف المناطق والجيوب التي لاتزال تحت سيطرة الإرهابيين لنقلهم إلى مركز التجمع الإرهابي في إدلب أو غيرها حيث تنتظرهم هناك بطاقات السفر إلى "حورياتهم الموعودة" على يد وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه.
وفوق كل ذلك يخرج الرئيس السوري بشار الأسد في حوار مع وكالة "أسيوشيتد بريس"، متحدثاً بكل ثقة وقوة، ويشن حملة واسعة النطاق يفضح فيها كل أطراف الحرب الإرهابية على سورية بدءًا من الرؤوس التي تدير هذه الحرب وصولاً إلى عناصر المجموعات الإرهابية التي تنفذ المشروع الإرهابي الدولي الإقليمي ضد سورية. ولم يكتف الرئيس الأسد بذلك فقد وجه رسائل مفتوحة وواضحة وهامة جداً إلى الداخل السوري، وإلى الدول الإقليمية، وإلى دول العالم، محذراً من مغبة الاستمرار في تقديم الدعم لهذه الحرب الإرهابية وانعكاساتها الخطيرة إن لم تتوقف الدول الداعمة للإرهاب عن دعمه وتمويله، مؤكداً أن الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة مستمرون في المواجهة حتى النهاية. وهذا كلام يأتي بعد ست سنوات تقريباً من حرب استنزاف قاسية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، ولم تكن لتصمد الولايات المتحدة ذاتها أمام هكذا حملة شرسة بنوع جديد من حروب العصابات والمجاميع الإرهابية المدربة والمزودة بأحث أنواع الأسلحة، والموزعة جغرافياً بطريقة لا يمكن بسهولة مواجهتها بشكل تقليدي.
أما آن لراعي البقر أن يسقط عن حصانه؟
قد يكون الجواب نعم، فالحالة الشعبية داخل سورية وإقليمياً وحتى دولياً، تتجه بوعي أكبر من حكوماتها نحو معرفة الحقيقة والمقدرة على تقدير الأخطار الراهنة ومن يفتعلها ومن يواجهها. وما خروج العديد من منظمات المجتمع المدني الإيطالي وأبناء الشعب الإيطالي والسوري وبعض الجالية العربية لنشر صور ضخمة للرئيس السوري بشار الأسد في شوارع وساحات 90 مدينة إيطالية، وبالقرب من أهم المعالم الآثرية تحت عنوان عريض يقول: منذ ست سنوات أفضل مدافع ضد العصابات الإرهابية القادمة إلى اوروبا هو الرئيس بشار الأسد، في إشارة قوية لدعم الدولة السورية في حربها على الإرهاب العالمي الذي يدمر الحضارة الإنسانية ويقتل شعوبها.
فهل انتصر االحلف الروسي السوري ومن معهما من حلفاء ؟ وهل يسقط راعي البقر الكاوبوي قريباً تحت خفي ثوره التائه؟ قادمات الأيام كفيلة بشرح كل هذه المتاهة.