بحضور ممثلين عن 27 بلداً والأمين العام للأمم المتحدة، وقّع الرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، وقائد (فارك) الماركسية المسلحة، رودريغو لوندونيو، على اتفاقية السلام، التي توصل ممثلون عن الحكومة وحركة (فارك)، بوساطة كوبية ونرويجية، كدولتين ضامنتين للاتفاق، وفنزويلا وتشيلي، كدولتين مواكبتين للمفاوضات، واستكملت المباحثات حولها في 24 آب (أغسطس) الماضي، في العاصمة الكوبية هافانا، وبذلك تطوي كولومبيا حقبة حرب أهلية طاحنة، استمرت أكثر من خمسة عقود وأوقعت ملايين الضحايا، بين قتيل وجريح ومختفي قسرياً ومشرد.
وسبق التوقيع على الاتفاق مصادقة مؤتمر وطني لحركة (فارك) على الاتفاق، عقد في معقلها آل ديامانتي في كاغوان جنوب- شرق البلاد، ومن المرجح أن يدعم المواطنون الكولومبيون اتفاق السلام في الاستفتاء الذي سيجري في الثاني من شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
ويأتي التوقيع الرسمي على اتفاقية السلام بعد إخفاق ثلاث محاولات سابقة، المحاولة الأولى عام 1987 بعد ثلاث سنوات من مباحثات السلام، والثانية عام 1991، والثالثة عام 2002 وعرفت بـ(حوارات كاغان)، التي استغرقت أيضاً ما يقارب ثلاث سنوات، دون الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للحرب الأهلية، وكان من أسباب فشل المحاولة الثالثة إطلاق إدارة بيل كلينتون وحكومة الرئيس الكولومبي الأسبق أندريس باستانا عملية عسكرية واسعة، عام 2000، بذريعة مكافحة المخدرات، وما لبثت العملية أن تحولت إلى هجوم على حركة (فارك)، وتوسعت بعدها في ظل إدارة بوش الابن والرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي، وواصل الرئيس الحالي خوان سانتوس سياسات سلفه، في محاولة لحسم الصراع عسكرياً، إلى أن اقتنع عام 2012 بأنه لا بديل عن تسوية الصراع بوسائل دبلوماسية، وبادر هو وقائد حركة (فارك) رودريغو لوندونيو إلى إطلاق عملية سلام جديدة، توجت أخيراً بالنجاح.
توقيع الاتفاق قصة نجاح بالتأكيد، للحكومة الكولومبية وحركة (فارك) وللوسيطين الضامنين كوبا والنرويج والوسيطين المواكبين للمفاوضات فنزويلا وتشيلي، غير أن تطبيق الاتفاق، وتذليل العقبات التي قد تظهر خلال تنفيذه، تتطلب من الطرفين الموقعين عليه التعاطي بعقلية منفتحة، مهما كان حجم المشاكل العملية التي قد تنشأ، فالمهم أن تطوى صفحة الحرب الأهلية نهائياً، وتفتح صفحة جديدة في تاريخ كولومبيا، تتوحد فيها كل جهود وإمكانيات أبنائها لبناء غد أفضل للأجيال القادمة، وهم اليوم على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخ بلادهم مفعمة بالأمل.
على القلم، المصنوع من رصاصة رشاش ثقيل، والذي وقع به الرئيس سانتوس على الاتفاق، حفرت عبارة تقول: "الرصاص كتب ماضينا، والتعليم هو مستقبلنا".. عبارة تعبر عن الآمال التي يعلقها الكولومبيون على اتفاق السلام، لانتزاع بلادهم من براثن حرب أهلية دامية، حرقت الأخضر واليابس على امتداد أكثر من نصف قرن، حيث خلفت 260 ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعوقين وخمسين ألف مختفي قسرياً وسبعة ملايين مشرد.
ومن نافذة الأمل يدرك الكولومبيون أن معركة السلام لن تكون سهلة، ولذلك عليهم أن يتوحدوا خلف الاتفاق الموقع بين الحكومة وحركة (فارك)، كمهمة وطنية جامعة لا تعلو عليها مهمة أخرى، لأنها ستقرر مصير البلاد ومستقبل الشعب الكولومبي.
كما يدرك الكولومبيون من تجربة العقود الخمسة الماضية أن ثمة جهات لن تكون راضية عن اتفاق السلام، وقد تعمد إلى محاولة التخريب على الجهود التي ستبذل لتنفيذه، فرغم التصريحات الأميركية المرحبة بالاتفاق، وإشادة وزير الخارجي الأميركي بما وصفه بـ"شجاعة وقيادة" الرئيس سانتوس، يبقى من غير المستبعد أن تثير واشنطن مشاكل في وجه اتفاق السلام، نظراً لسياسات الهيمنة التي تحاول الولايات المتحدة أن تفرضها على دول أميركا اللاتينية، وهذا جزء من التحدي الذي سينهض به الكولومبيون لتحقيق السلام في وطنهم.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)