ربما هي حسابات انتخابية، وسعي وراء مصالح الحزب الجمهوري، وبحث عن أصوات الناخبين الأمريكيين، ولكن الحقيقة المؤكدة أنه كلما تقدمت الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتدمت قوة معاركها، واقترب موعد ذهاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، كلما زاد الضغط الأمريكي على السعودية، وربما دول أخرى قد تكون ضحية لاستهداف الكونجرس للمملكة.
بالأمس القريب روينا قصة القانون الذي يسعى مجلس الشيوخ الأمريكي إلى استصداره، ويتيح للمواطنين الأمريكيين من أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية أن يقاضوا الدول التي تورط مواطنوها في ارتكاب الجريمة، وعلى رأسهم بالطبع السعودية، التي شارك منها في تنفيذ العملية 15 مواطناً، بالإضافة إلى قيادة أسامة بن لادن — السعودي الأصل- وقتها تنظيم "القاعدة" في أوج مجده.
الجديد في الأمر ليس الفيتو الذي استخدمه الرئيس الأمريكي، وليس أيضا استطاعة نواب الكونجرس الأمريكي — للمرة الأولى منذ تولي باراك أوباما الإدارة الأمريكية- إسقاط ورفض هذا الـ"فيتو"، وتمرير القانون، ولكن الجديد هو أن السعودية ليست الهدف الوحيد الذي سيكون في مرمى نيران كل متقاض أمريكي، بل هناك دول أخرى.
فحسب المحكم الدولي المستشار أسامة حسين، هناك عدة دول قد يدينها القانون الأمريكي الجديد، ويجعل بالإمكان مقاضاتها والحصول منها على مبالغ تعويضات كبيرة جدا، في مقدمتها مصر والإمارات، وهما دولتان ستزيد سعادة الولايات المتحدة الأمريكية بمحاصرتهما كل حين، وتحجيم أي محاولة منهما للخروج عن النص، خاصة مصر، التي اتجهت بعد ثورتها في 30 يونيو/ حزيران، إلى عقد صداقات جديدة في العالم، بعد الإصرار الأمريكي على دعم جماعة الإخوان، التي ثار ضدها الشعب المصري.
وتبعاً لحسين، يعد المصري محمد عطا هو أمير هذه الجماعة، والمخطط المنفذ ومحدد الزمان والمكان للهجمات، فهو من أحاط بن لادن علما بتفاصبل العملية يوم الخميس 6 سبتمبر/ أيلول 2001، عبر وسيط هو رمزي بن الشيبة، ولكن الأمريكيين يرون أن العقل المدبر الذي اختار الهجوم بالطائرات، هو خالد شيخ محمد، المسؤول كذلك عن تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، وتفجيرات بالي عام 2002.
قانون "جاستا"، وهذا هو اسمه، باختصار، لن يكون سوى وسيلة لتقليم أظافر بعض الدول، والحصول على أموالها من خلال مقاضاة هي إلى الابتزاز أقرب، وجميعنا نذكر ما كان من أمريكا في الأمس القريب، عندما أصرت على مصادرة مليارات الدولارات من أموال إيران لديها، بعدما حكم القضاء الأمريكي بتعويضات بلغت ملياري دولار لصالح بعض الأشخاص المتضررين من عمليات إرهابية اتهمت إيران بالتورط فيها.
الفارق هنا أن إدارة أوباما كانت تضغط بنفسها على إيران، لتحقيق عدة أهداف دولية، أبرزها تعطيل النهضة الاقتصادية الإيرانية المنتظرة، بعد توقيع الاتفاق النووي العالمي في حضور القوى الكبرى في نهاية يوليو/ تموز 2015، والذي كانت بنوده تقضي بضرورة رفع هذه القوى الكبرى كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، بينما يضغط الكونجرس الآن ويحاول أوباما أن يدافع عن حليفته، ليضمن دعماً مادياً حقيقياً لهيلاري كلينتون في مواجهة خصمها الشرس دونالد ترامب.
"لا مكان للعواطف في العلاقات الدولية.. ولا صداقات تدوم".. أؤمن جدا بهذه المقولة، التي بادرني بها الدكتور بدر الدين عاصم، أستاذ العلاقات الدولية، الذي يرى أن رفض الكونجرس للفيتو الذي قدمه الرئيس باراك أوباما، لا يعني بالضرورة أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية انتهت، أو تحولت إلى عداء، فأمريكا لن تتوقف عن محاولاتها الرامية لإخضاع بعض الدول لها، والسعودية لن تتخلى عن مكانها تحت الجناح الأمريكي في العالم.
ويوضح عاصم، أن الأمر ربما يكون مرتبطاً بالفعل بمحاولة التأثير على قرارات الناخب الأمريكي، من خلال مواصلة الحرب ضد الإرهاب، التي بدأها جورج دبليو بوش، ابن الحزب الجمهوري، وإقناعه بأن مرحلة الحرب على وشك الانتهاء وحان موعد تعويض الضحايا وأسرهم عما حدث لهم، ولكن يبقى أن علاقة أمريكا والسعودية تمر بأسوأ مراحلها، ولكنها لن تنقطع، ولن تتخلى إحداهما عن دعم الأخرى، فمصالح الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أصبحت متداخلة أكثر مما يتوقع الجميع.
ولكن.. هل ستدور الدوائر على دول أخرى بغرض تقليم أظافرها بالفعل؟ أم ستكتفي أمريكا بسن القانون لتكون له مردودات قانونية دون إقحام للسياسة في الأمر؟ هذا ما تجيب عنه أصوات الناخب الأمريكي في الانتخابات القادمة ومجيء الإدارة الجديدة في يناير/ كانون الثاني 2017.