كل هذا يمكن أن تلاقيه وتراه في دمشق "المدينة الاستثنائية".
قلائل هم الأشخاص القادرون على أن يخفوا إيجابيتهم المطلقة بما يتعلق بالعاصمة السورية، من زائريها وسامعيها قبل ساكنيها، حتى بتعبها من سنين الحرب وخطورة المعارك المحيطة بها، وآلاف الصواريخ والمتفجرات التي هطلت على شوارعها، والأحداث المفصلية التي مرت بمناطقها، ولكن باستمرار تنوعها وحياتها والاندماج الرهيب بين مراسم وعادات وأعياد وأحداث الطبقات والشرائح الساكنة على مسافات لا تبعد أكثر من أزقة في أماكن، وأمتار في حارات أخرى، كل هذا لا يمكن أن يتواجد إلا في دمشق.
نتاج تاريخي
يقول وسام العبد الله، الكاتب الصحفي اللبناني وأحد سكان دمشق، في حديث خاص لـ"سبوتنيك"، "موضوع التنوع الموجود في دمشق والظاهر حالياً، وخصوصاً كإسقاط مثال سريع، المسافات القريبة التي تفصل بين أحياء المناسبات الدينية والحياة الطبيعية والسهرات، ليس وليد الصدفة وليس نتاج يوم وليلة بل أنه تراكم وتفاعل تاريخي كبير، وكإسقاط مثلاً، المنطقة التاريخية والجغرافية كالجامع الأموي وجنبه أثار معبد "جوبتير" التي تظهر بوضوح على أبواب سوق الحميدية، وداخل الجامع الأموي هنالك قبر "يوحنا المعمدان" بما معناه معبد وثني ورمزين لديانتين سماوتين، فهذا ما نراه أساس في دمشق التنوع الكبير ما يعطيها قوتها كمدينة".
ويضيف الصحفي، "تاريخياً وحضارياً، دمشق معروفة بأنها منفتحة على الجميع وتستوعب الجميع من مختلف الأفكار والعادات، موقعها الهام والطريق الواصل بين الشمال والجنوب مع لبنان وفلسطين وطبيعة سكانها، بالإضافة لوجود الأساس التجاري على تواصل مع الجميع، والاقتصاد كان جزء منها طبعا، فانعكس إن صح التعبير على الجينات السكانية وظهر إيجابيا على التواصل مع الجميع وطبيعة السكان بالأصل منفتحة وليست منغلقة لذلك الكل حافظ على الثقافة الدمقشية".
مشيراً، "إلى أن دمشق تمثل حقيقة حالة غريبة بأيجابيتها وتعكس حال سوريا ككل، بتنوعها الكبير، وهذا يعتبر جزء من الحرب وتحدي دمشق ما بعد الحرب، وهذا ما يجب الجميع الحفاظ عليه بتنوعه والحفاظ على التنوع، والفشل يعني خسارة هويتنا بجزئية كبيرة منه، الثقافة التنوع وروحها جزء حقيقي من المقاومة حالياً".
أصوات من الحي
يتحدث غالب، لـ"سبوتنيك"، وهو أحد الشباب القاطنين في الأحياء الدمشق القديمة والمتردد إلى السهرات والحفلات المسائية دائماً، "بأن الفكرة لا تتمحور حول السهرات أو المناسبات السعيدة وأي شيء أخر بالعكس، الفكرة الأساسية هي الاندماج الكبير والتعايش الصافي الذي لا يمكن أن تراه إلا في دمشق، بيت أو بيتين يمكن فقط أن تفصل بين شريحة تحتفل بمناسبة دينية معينة وشريحة أخرى تمارس طقوس أو شعائر بشيء يخصهم ومسافة قصيرة يمكن أن تفصل بين حفلة صاخبة لمجموعة من الشباب، هكذا ببساطة".
ويضيف، "ولكن ما يفصل بين كل هذا هو الاحترام الدائم المتبادل، وبكل طبيعة معيشية بعيداً عن أي تعصب أو انفراد بخصوصية يمكن أن توثر على الأخر، حتى لو كنا نخرج منتصف الليل أو صباح اليوم التالي من أي حفلة، حرمة الأشخاص من حولنا حاضرة، يمكن أن ترى مصلي وسائح وزائر ومحتفل في نفس الرصيف يمشون جنباً إلى جنب في حي باب توما أو باب شرقي كمثال، يمكن أن ترى فتاة محتمشمة وفتاة تلبس لباس رياضي وفتاة متأنقة وراء بعض دون الاكتراث، الامتزاج الموجود هنا غريب وفريد من نوعه بكل معنى الكلمة".
وتعلق فاطمة، إحدى سكانات حي القنوات في أحياء دمشق القديمة، "في أن التنوع الكبير يصب لمصلحة الجميع ودون الاكتراث حقيقةً لهذه التفاصيل فكلنا سكان بلد واحد، وإن كنا من زوار ضريح ديني أو مسجد للصلاة أو جامع للقيام بشعائر دينية ومناسبات خاصة، أوأحد من الجيران ليس كذلك فالموضوع طبيعي جداً، لا يوجد حتى تفكير بهذا الشيء طالما احترام الحرمات أمر أساسي ومركزي في التعايش الكبير بين أقطاب وشرائح المجتمع السكاني والخليط الدمشقي بالعموم".
مشيرة، "أنه في إحدى المرات كان الفارق بين أحد بيوت العزاء ومكان لمناسبة دينية خاصة وأحد مواقع الحفلات مجرد مئات الأمتار، والناس كلها متفاعلة وكل حدث له زواره ومستقطبيه دون أن يضايق أحد أحدا أو حتى حدوث أي تفصيل غير طبيعي أو حدث أو فعل خاطىء من قبل أحد، هذا هو الخليط الذي لا يتوجد أينما كان".
وتشهد العاصمة السورية دمشق، إحياء العديد من المراسم الدينية في هذه الفترة، وسط وجود مراسم ومناسبات عديدة مختفلة، كان آخرها مهرجان الألوان الضخم الذي أقيم لأول مرة بنوعه في العاصمة السورية، وجال العديد من الشوارع السورية وسط حضور كثيف أشار إلى نبض الحياة الملونة الإيجابية رغم كل المآسي وظروف الحرب الاستثنائية التي تعصف بالبلاد.