وقبل الوصول إلى قريتي صليب التركمان وبرج إسلام في ريف اللاذقية توقفنا على حاجز تفتيش للجيش العربي السوري أزهرت أمامه بعض الورود الحمراء والبيضاء دققت البطاقات الشخصية بوجوه مليئة بالطيبة والصلابة بذات الوقت ما يبعث بالاطمئنان والتفاؤل لمن يعبر هذه الحواجز، ثم تابعنا السير بالحافلة لمدة 20 دقيقة عبر طريق فرش بأوراق صفراء تبشر بولادة فصل أكثر خضرة وشباب، حتى وصلنا إلى قرية صليب التركمان التي تتربع على كتف جبل مطل على البحر.
تابع مراسل "سبوتنيك" السير بين بيوت وأزقة القرية متعطشا للغوص أكثر في أزقة وحارات المنطقة التي غطتها زرقة السماء إلى أن وصل إلى معصرة الزيتون حيث يوجد مختار قرية الصليب حمزة عيريق مع أصدقائه من القرى المجاورة يحتسون الشاي تحدث الرجل الخمسيني ذو الملامح القروية عن حياة المواطنين التركمان في القريتين الذين يعملون في الزراعة والحرف والصناعة وصيد السمك وكغيرهم من جيرانهم في القرى المجاورة طالتهم الآثار السلبية للحصار الاقتصادي الذي انتهجه الإرهاب الذي لم يفرق بين منطقة وأخرى.
وأكد عيريق أن العلاقة التي تربطهم مع القرى المجاورة جيدة وتقوم على الصداقة القوية، حيث يقوم أبناء القرية المعروفة بكثرة آلياتها بالعمل في جميع القرى، إلا أن معاناتهم التي سببتها الحرب التي تتعرض لها بلادهم تتمثل بغلاء المازوت وارتفاع أسعار المبيدات الزراعية والفلاحة التي سببت انخفاضا في مواسم الزيتون بشكل كبير، كما يوجد خريجو الجامعات من دون عمل لتقتصر نسبة الذين يعملون في مؤسسات الحكومية 5 %، علماً أنه يوجد نقص في مدرسي المدارس الابتدائية والثانوية.
وتابع عيريق حديثه قائلا إن الحكومة السورية تقدم كامل الخدمات للقريتين أسوة بغيرهما، كما استقبلت القريتان 400 عائلة مهجرة من المناطق الساخنة بسبب العصابات الإرهابية علماً أن 90% منهم من حلب وإدلب، فالتركمان ينتظرون انتهاء الحرب التي أثقلت حياتهم.
وما أن توقف المختار عن حديثه حتى بدأ خالد حج أوغلي، وهو "مدرس متقاعد"، يتكلم عن الأمان التي تشهده المنطقة بفضل الجيش العربي السوري وأن التركمان هم من السوريين منذ أكثر من 400 عام ولا يتبعون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كما أن موقفهم وعلاقتهم مع تركيا تمر عبر العاصمة دمشق.
وأضاف أوغلي أن التركمان يعتبرون تركيا دولة أجنبية ولكنهم يتكلمون اللغة التركية ويعرفونها ولذلك عند السفر إلى تركيا لا يعانون من مشكلة اللغة، ولم يخف أوغلي أن هناك جهات معينة مصرة على أن يضعوا التركمان تحت الحماية التركية فهذا لن يتحقق والتركمان لا يقبلون بذلك فهذا تشكيك بوطنيتهم وانتمائهم إلى وطنهم سوريا، أما إن كان بعض التركمان "إن وجد" يرون أن مصلحتهم مع تركيا، فهذا يعني وجود خطأ في نمط تفكيرهم، فعلى أولياء الأمور في القيادة السورية تصحيح هذا النمط من التفكير لدى التركمان، لاسيما أن التركمان غير مؤدلجين وحياتهم بسيطة وعفوية وولاءهم لوطنهم بالفطرة ولا يجيدون استخدام السلاح.
أما شادي صابوني أمين فرقة حزب البعث العربي الاشتراكي في القرية فأشار إلى أن عدد الشهداء الذين قدمتهم القرية بلغ 15 شهيدا، استشهدوا في صفوف الجيش العربي السوري أثناء التصدي للإرهاب اثنان منهم من المدنيين، و8 جرحى.
وبين صابوني أن أحد الشهداء المدنيين كان يجلس مع رفاقه في القرية، عندما سمع زميله العسكري يتلقى مكالمة هاتفية أن أحد الضابط في المكان الذي يخدم فيه أصيب في منطقة النبك بريف دمشق فاندفع بكل رجولة وشهامة وحس وطني إلى التبرع بالذهاب إلى النبك بسيارته وإسعافه إلى محافظة اللاذقية لتلقي العلاج إلا أنه تعرض لقنص واستشهد.
وعبر غسان قرحالي من قرية مجاورة عن العلاقة الجيدة والعميقة التي تربط القرى مع بعضها وامتدت لعشرات السنين سواء في الصيد، والأفراح، والأحزان ومعظم الأهالي يعملون في الزراعة وصيد السمك وهم حرفيون جيدون بامتياز، علماً أن أفراد القرى يلقون التحية بين بعضهم وتسبقها عبارة ابن خالتي التي تدل على المحبة والعيش المشترك الجميل بينهم.
وأكد مظفر حمزة، وهو صناعي ميكانيكي من قرية برج إسلام، أن جميع الأهالي همهم انتهاء الأزمة التي تتعرض لها بلادهم مبيناً أن عدد سكان القريتين يبلغ نحو 17 ألف نسمة وتبعد القريتان 20 كم عن مدينة اللاذقية.
ووجه أهالي القريتين الشكر والامتنان لروسيا التي قدمت لهم المساعدات والمعونات.