تحت وطأةِ الانتصارات التي حقّقها الجيش السوري وحلفائه في حلب، تاهت البوصلة التي كانت تحدّد سمت التحرّك الإقليمي والدّولي للنيَل من سورية ولإخراج روسيا من منطقة الشّرق الأوسط بالكامل من البوّابة السّورية بعد ست سنوات تقريباً من الحرب الطاحنة، التي استُخدِمَت فيها كل أنواع ووسائل وطُرق المواجهة المحرّمة دوليّاً وإنسانيّاً وأخلاقيّا في الحروب والنزاعات من قبل الحلف الدولي الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وجميعها باءت بالفشل المفجِع لهذه الدول، ولكن كانت فاتورة مقاومة هذه الحرب وتمزيق خطّة مشروع الشّرق الأوسط الكبير، كبيرة جداً من كافّة النواحي، وعلى رأسها محاولات الإبادة الجماعية المنظّمة للشعب السوري بطُرُق تقشعرّ لها الأبدان من الحِصار والتجويع والقتل والذبح والحرمان من كل سُبُل البقاء، ولكن لم ينكسر الشعب السوري بجيشه وقيادته، ولم يتوانَ الحلفاء عن تقديم كل أشكال المساعدة والدعم رغم هوَل الحرب التي أقل ما يمكن أن تُسمّى بحرب عالمية بالوكالة، لكن بعد فشل جميع أساليب الحرب البديلة وعلى كافّة الصُعد الميدانية والسّياسية، وبعد تقطيع أوصال الجيوش البديلة المتمثّلة بالمجموعات الإرهابية المسلّحة، لجأ الطرف المُعتدي لاستخدام أخطر أساليب الردع وهي كثيرة جداً
هذه العملية خطيرة وجاءت في ظل المتغيّرات والمتبدّلات الحالية الخطِرة والدقيقة جداً، لدقّ إسفين في جسد العلاقة الروسية التركية التي مرّت بظروف خطِرة في الفترة الأخيرة، تخلّلها عدّة أحداث بعد إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني عام 2015، وجاءت لمنع التقارُب الروسي التركي على خلفية الانتصارات التي يحقّقها الجيش السّوري وحلفاؤه الروس والإيرانيين والمقاومة ومن معهم من قِوى إقليمية ودولية أخرى ضاقت ذرعاً بالإرهاب الأمريكي المتعدّد الأوجه، فقدَ أردوغان كل سُبل التفاهم مع دول الغرب حول دخوله الاتحاد الأوروبي، بعدما استنفذ كل فُرَص الابتزاز باللاجئين والمجموعات الإرهابية في سورية والتي تسير وتتحرّك من أراضي بلاده.
ولكن قبل أن نتحدّث عن التّداعيات التي باتت تظهر منذ اللحظة الأولى على الحادث، لابدّ من أن ندقّق في كيفية حدوث العملية وهي أنّ القاتل دخل إلى مكان العمل الإرهابي بهويّة رجل أمن أو شرطة، وهذا يعني أن الجهاز الذي يتبع له هذا الرجل جهاز أمني مخترق، وتواجد السفير الروسي لم يأتِ فجأة، ولم يتصلوا به حتّى يأتي لحضور الفعالية فأتى على الفور، هذا من المؤكّد كان ضمن برنامج عمل السفير كممثّل لبلده وهو مُخطَر به من قبل، إذاً هذا عمل مُبيّت له والجهة التي خطّطت لهذا العمل الإرهابي رصدت تحرّكات السّفير وكانت على دِراية ببرنامجه، وأن يتحدّث القاتل باللغتيَن التركية والعربية أمر أيضاً له الكثير من الدلالات، وأن يربط عمله الإرهابي بما يجري في سورية وتحديداً في حلب، هو أيضاً رسالة موجّهة ولها أهداف محدّدة، وأن يقتل المجرم السّفير من الخلف وبكل هدوء ويُعطي وجهه للكاميرات أيضاً لم يأتِ من فراغ، ومن ثمّ يتحدّث لمدّة طويلة في الوقت الذي يجب على القِوى الأمنية اتخاذ الإجراء المناسب، وإنهاء رسالته بهذه
فجاء ردّ أوباما في أن أسقط آخر ورقة عن عورةِ مشروعه قبلَ رحيله بأيّام، ويبقى علينا بالفعل أن نفكّر إلى من ومتى ستوجّه هذه الصواريخ؟
ومالذي سيترتّب عليها ضمن سيناريوهات أرادتها الولايات المتحدة أكثر وضوحاً وأكثر عدوانية على البشرية جمعاء؟
وهل أراد أوباما قصف طاولة الحوار في أستانا قبل أن يجلس عليها المنتصرون ليمدّوا يدهم إلى من لم يعترف بالهزيمة بعد من أجل السلام؟
وهل خرجت الأزمة المفتعلة في سورية من عنق الزجاجة؟
لا ندري إن كانت الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات، ولكن ما نعرفه هو أن بداية النّهاية لمشروع الشّرق الأوسط الكبير قد بدأت.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها).