سبوع 40 يوما
يختلف الاحتفال "بسبوع المولود" في صنعاء عن سائر البلدان، ففي كل البلدان يتم الاحتفال بالسبوع يوم واحد فقط، أما في صنعاء، فيتم الاحتفال بالمولود الجديد أربعين يوما لكل سبوع، منها عادات وطقوس تختلف عن بقية الأيام.
في الأسبوع الأول، تحضر الجارات المقربات للوالدة لتقديم التهاني، وتكون هذه الزيارة قصيرة لا تتجاوز الدقائق، لمعرفة النساء بأن الوالدة ما زالت متعبة وغير قادرة على استقبالهن لمدة طويلة.
وهناك عُرف في صنعاء "إذا كان المولود "ذكرًا" فإن المهنئة تزغرد (تحجر) ثلاث مرات متتالية، وأما إذا كان "أنثى" فتكتفي بزغرودة واحدة".
كما تقوم المهنئة بتقديم بعض النقود للوالدة "النقطة"، كنوع من العرف، حيث تضع مبلغًا من المال في قطعة منديل وتضعها تحت فراشها، أو بالقرب من المولود، أما خلال الأسبوع الثاني من الولادة، حيث تكون الوالدة قد تعافت قليلاً، وأصبح لديها قدرة على استقبال عدد أكبر من النساء، فيجهز مكان في المنزل لاستقبالهن، ويفضل أن تكون غرفة كبيرة "قاعة"، وتقوم أسرة الوالدة بالتجهيزات لدخولها إلى مكان الولادة، أو ما يسمى في صنعاء "الديوان"، وبهذا الحدث تبدأ الطقوس الرسمية للاحتفال.
وقبل أن تدخل الوالدة إلى مكان الولادة، تذهب إلى حمام بخار قريب من بيتها، برفقة مجموعة من صديقاتها أو قريباتها، مثل ما يحدث مع العروس ولا تدخل الأم مكان الولادة إلا بزفة، وعادة ما تكون زفة نشيد "مولد" تتم دعوة المنشدة لإحياء هذا الحدث بحضور جميع الأهل والأصدقاء في هذا اليوم، على عكس الأيام السابقة، حيث تأتي السيدات دون دعوة، لأنها عبارة عن زيارات عادية.
وبعد دخول الوالدة مكان الولادة تبدأ حفلات الشاي البسيطة، والتي تسمى (البن)، وتستمر إلى نهاية الولادة، وحفلات البن عبارة عن تقديم حلويات وكعك ومكسرات وغيرها.
إلى جانب حفلات الزيارة، والتي غالباً ما تكون مكثفة من قبل أسرة الوالدة، وتبدأ بزيارة الأب، حيث تعتبر أهم زيارة، حيث يقوم الأب خلالها بتقديم أحسن الهدايا من الكسوة كالقماش الفاخر والحلويات.
وفي هذا اليوم تتجمع المهنئات لمشاهدة ما أحضر الأب لابنته من هدايا، ويبدآن بتقييم الزيارة، وهل كانت «على قدر المقام» أم لا؟، ويتم عرض هذه الهدايا أمام النساء الحاضرات، كنوع من العرف والتفاخر.
أما الزيارات الأخرى، فيتم ترتيبها مع أم الوالدة أو عمتها (الحماه) وتبلغ جميع النسوة في الحي، أن غدًا زيارة إلى بيت الوالدة، وتعتبر دعوة مفتوحة لمن أرادت الحضور، والمرأة التي قدمت الزيارة مسؤولة عن توزيع المأكولات للضيوف بالتعاون مع صديقاتها.
المرتبة (الأيوان)
هو عبارة عن كنبة أو سرير صغير مخصصة، لجلوس الوالدة، حيث يتم تجهيزه قبل يوم واحد من دخول الوالدة وجلوسها فيه، ويجب أن يكون مكان مرتفع عن بقية المجلس، حيث يقوم الزوج، أو أحد أفراد أسرة الوالدة، بترتيبه وتزيينه، ويوضع عليه (الريحان والورود) وعدد من المصاحف حول المرتبة، وفي بعض الأحيان يتم تعليق بعض الأشياء التراثية القديمة، كالملابس التراثية والستارة، كذلك بعض أدوات المطبخ والأسلحة القديمة، كنوع من عرض التراث القديم على الحاضرات، كما يتم تجهيز مستلزمات الجلسة من (مداغة وشيشة ومعاشر وماء الورد والشعير والمشروبات الغازية والزر والهيل وسكر النبات والقات) وغيرها.
وهناك بعض المتخصصات بتأجير تلك الزينة، والتى قد يصل إيجار اليوم الواحد خلالها حوالى 10 دولارات، في بلد لا يتجاوز أجر العامل فيه 100 دولار شهريًا.
ويكون للوالدة ملابس خاصة بعد دخولها مكان الولادة، وغالبًا ما تكون ملابس تراثية وشعبية قديمة، وكل يوم لا بد أن تلبس لباسًا جديدًا يختلف عن اليوم الأول، فأحياناً تلبس تاج، وأحيانًا تلبس (العصبة) رباط للرأس باختلاف أنواعها وأشكالها، وهي عبارة عن زي شعبي مصنوع غالباً من المرجان، اللؤلؤ، الخرز أو غيرها، وتوضع على الرأس وحول صدر الوالدة، بحيث تكون مميزة.. وهكذا يستمر الحال طوال أربعين يومًا، تمر سريعة بالنسبة للزوجة وصديقاتها وجاراتها، لكنها بالنسبة للزوج، خصوصًا محدود الدخل، تمر كأنها سنين، ولا تنقضي إلا بعد أن تكون قد هدت الزوج، وشفطت كل ما كان يدخره من مال، إن لم يكن قد اقترض مبلغًا للوفاء بمستلزمات الإحتفال بالقادم الصغير.
ليلة الزفة
هو اليوم الأخير في الأربعين يوم، وفيه تتم دعوة جميع الأهل والأصدقاء لحضور هذا اليوم المميز، والذى يشابه حفلات الزفاف، حيث يتم إنهاء مراسم كرنفال الولادة السعيد، التي استمرت أربعين يوماً متتالية، وهناك من تحضر فنانة لإحياء هذا اليوم، والبعض يحضر منشدة، بينما يكتفي البعض الآخر بتوزيع الحلويات على الزائرات، في نهاية يوم الوفاء وعند مغادرة المشاركات، تأتي كل واحدة لتوديع الوالدة والدعاء لها بالصحة والعافية، وترتدى الوالدة زي زفاف في أغلب الأحيان أو لبس محلي مميز؛ لأنها تعتبر هذا اليوم بمثابة زيجة جديدة مع زوجها، وبنهاية هذا اليوم تنتهي مراسم الولادة وتسدل ستارة المهرجان الطويل الذي كان برعاية الزوج المغلوب على أمره، ولهذا غالبًا ما تجد الرجال هناك يرددون المثل المشهور (عرسين ولا ولاد).
وتقول (أم محمود) وهى زوجة من صنعاء، أن هذا الكرنفال بمثابة جرعة من الدلع التى تفتقدها المرأة خلال حياتها الصعبة، والتى تنتظرها بفارغ الصبر لتتمتع بالراحة، حيث أنها في الأيام العادية تستيقظ من النوم قبل السابعة لكي تلبي احتياجات الأسرة، وهذه هى الفترة الوحيدة التي تستيقظ فيها في الوقت الذي تريد، ويقوم الجميع على خدمتها، فهى خلال تلك الفترة لا تعمل أي عمل في المنزل.