،وقصدنا هنا بالظروف المتقلبة والتحولات الإيجابية الحالية نحو إعادة الإعمار، وانبعاث الصناعة السورية من جديد في مجالات عدة، منها صناعة أو تجميع السيارات، والتي انعكست على الحياة العامة للشعب وخاصة في قطاع الطاقة الذي يعتبر عماد الكثير من الصناعات ومرافق الحياة اليومية للشعب السوري، وفي حقيقة الأمر برزت أزمة الطاقة في سورية بشكل كبير جداً أعطى صورة غير واقعية عن حقائق ما يجري، ما جعل شرائح كثيرة من الشعب السوري تعبر عن نقمتها وتتهم الحكومة تارة بالتقصير، والحلفاء تارة أخرى في التأخر بالدعم، ومرة ثالثة توجه أصابع الاتهام إلى من سمتهم تجار الأزمة الذين هم في حقيقة الأمر موجودون في أي بلد تعيش مثل هذه الظروف.
لكن الذي يحصل ليس هو إلا انعكاسات لهذه الحرب والحصار الذي منع تقديم الدعم للشعب السوري ولعل بعض الأخطاء تكمن في عدم إيضاح الصورة أمام عامة الشعب لأسباب قد تكون مطلوبة، أو غياب المسؤولية ربما عند بعض الجهات أو المسؤولين في تجاوز مثل هذا الظرف.
الوضع الاقتصادي في سورية مرّ بظروف غاية في القسوة والصعوبة منذ بداية الأزمة عام 2011، بالرغم من أن سورية كانت في المراتب الأولى للبلدان الصاعدة اقتصادياً، دون النظر إلى صغر حجمها كدولة تحيطها المشاكل والحروب والاهتزازات، لكن الغريب الذي فاجأ العالم، هو القدرة الكبيرة على حماية الاقتصاد بكافة جوانبه من الانهيار، بسبب الحصار الاقتصادي، الذي مورس على هذا البلد ومازال حتى اللحظة، ووفق العديد من الخبراء الاقتصاديين، سورية في هذا المجال شكلت حالة فريدة من نوعها بين الدول التي تعرضت للحروب، ولم تستطع حماية اقتصادها رغم كل الإمكانات التي كانت تملكها بسبب حجم الخسائر الكبيرة، التي تكبدتها.
سورية عانت ومازالت تعاني، حوصرت ومازالت محاصرة، تمنع عنها حتى لقمة الخبز، وحبة الدواء تحت حجة محاربة الدولة أو الحكومة السورية كما يزعم من يجوّع الشعب السوري، ويمنع عنه أبسط سبل الحياة والبقاء على قيدها، في ظل واقع مأساوي من القتل والحرب والأعمال الإرهابية، والحديث هنا يطول جداً.
وصلت سورية في المواجهة إلى العام السادس، وقريبا تدخل العام السابع، وهي تتعرض لمحاولات تدمير لا مثيل لها في كافة المجالات، وفي الوقت الذي يجب على دولة في مثل هذه الظروف أن تستنجد العالم، نراها تقاتل وتقاوم الحرب وتكافح الإرهاب، في ظرف صعب لا يغيب فيه دعم الحلفاء الروسي والإيراني بالدرجة الأولى عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإنسانياً، وفي الوقت ذاته تعلن الدولة التي يصورها بعض العالم على أنها تقف على حافة الانهيار، أو حتى الغياب عن الخارطة السياسية والجغرافية في المنطقة، لتعلن عن بدء عمليات إعادة الإعمار في عدة مناطق تم تحريرها من الإرهابيين، وتعلن عن افتتاح مشاريع سياحية كبرى، ومشاريع إنتاجية تطويرية في مجالات عدة صناعية وخدمية وفنية وبناء مدارس وجامعات وغيرها، بكلفة مليارات الليرات، على سبيل المثال لا الحصر ما الذي يمكن فهمه عندما تعود إحدى أكبر شركات إنتاج السيارات في سورية شركة "خلّوف" لإطلاق سيارتين جديدتين من إنتاجها بعد خمس سنوات من تعطل إنتاجها؟ فرغم الوضع الصعب ميدانياً وسياسياً ظهرت هناك قدرة عالية للدولة على الصمود، مع الانتباه إلى وجود عجز في قطاعات معينة من قطاعات الحياة تسبب الإرهاق الكبير قض مضاجع الشعب السوري، على رأسها قطاعات الطاقة، التي تعتبر من أهم ركائز الحياة اليومية في العمل والتنقل وتشغيل المرافق الخدمية وغيرها الكثير.
إذاً لماذا كل هذه المعاناة التي يعيشها الشعب السوري؟
ومن أين لسورية القدرة على حماية اقتصادها من الانهيار بعد حرب دامت ست سنوات؟
في ظل الحديث عن أن خسائر قطاع النفط السوري فقط بلغت، منذ بداية الأزمة التي تمر بها البلاد وحتى اليوم، 1800 مليار ليرة سورية تتضمن أكثر من 214 مليون برميل من النفط إضافة إلى منتجات أخرى ومعدات وأبنية وتجهيزات متعلقة بقطاع النفط، هذا إذا ما تناسينا التدمير الهائل الذي أصاب باقي القطاعات الحيوية والبنى التحتية، وممتلكات الدولة، والممتلكات الخاصة، والصناعة التي وحدها تكبدت خسائر في حلب بمقدار 200 مليار دولار، كما جاء على لسان السيد فارس الشهابي، رئيس اتحاد غرف الصناعة في سورية ورئيس غرفة صناعة حلب.
هنا بالفعل أين يكمن سر أزمة الطاقة في سورية؟
وهل هو بسب تقصير الحكومة؟
أم تجار الحرب الذين تخلقهم مثل هذه الأزمات؟
ولماذا لم تتمكن الحكومة السورية حتى اللحظة من تأمين كل مستلزمات الطاقة التي لا يقدر أي شعب أو أي دولة على العيش بدونها يوم واحد؟
هناك أمثلة عديدة في التاريخ عن انهيار دول بسبب انقطاع الطاقة ليوم واحد أو حتى لعدة ساعات، والشيء الذي لا يعرفه الكثير من عامة الشعب السوري هو القفص الحديدي الذي تتم فيه محاصرة الدولة السورية، التي صدمت في ساحات الميدان، والسياسة وقاومت حرب الاستنزاف الهمجية على الشعب والدولة، فهل يغيب عن الشعب السوري أن تنظيم "داعش" الإرهابي، وغيره من المجموعات المسلحة، ضربوا وفجروا محطات الكهرباء وتوليد الطاقة، ومعامل الغاز في حيان وغيرها في المناطق الشرقية، وضربوا خطوط النفط، وحتى سيطروا على منابع النفط وآباره في دير الزور وغيرها، وباعوا نفطها بأبخث الأثمان عبر نقلها بصهاريج إلى موانىء تركيا لتصل إلى أوروبا، وهل أوروبا بحاجة لهذا النفط غير المكرر؟
طبعاً لا، ولو أنه يحقق أرباحاً طائلة، هذه الأعمال جاءت بالتوازي كحلقة تعمل بشكل توسعي على مبدأ الطرد المركزي والانتفاخ حتى الانفجار، حلقة خبيثة من حلقات الحرب الدائرة على سورية، وموازية للحصار الاقتصادي الذي يستنزف مقدرات البلاد، وتحقق اكتفائها الذاتي منها، ففي الوقت التي تدمر وتحرق وتسرق هذه المقدرات، يمنع على أي دولة أو أي جهة كانت، من أن تعوض للدولة السورية هذه الخسائر الفادحة من منتجات الطاقة ومشتقاتها حتى تؤمن للشعب المنكوب احتياجاته، كل هذا تحت ستار الحصار على الحكومة السورية، ولكن في حقيقة الأمر من يعاني الأمرين؟
حكماً هو الشعب، أمام عجز الدولة وحلفائها في ظل قوانين الحصار الاقتصادي، الذي لا يمكن لأي دولة أن تخالفة فتقع أمام مساءلة دولية وحتى المحاكمة، وهنا يكمن السر في محاولة قتل الدولة من خلال خنق الشعب، الذي في مثل هذه الظروف القاهرة في مرحلة ما يجب أن ينتفض ويتساءل لماذا لا تحل هذه المشكلة ونحن لدينا مقدرات وإمكانات تظهر في مشاريع يمكن بنائها فيما بعد؟
وأين هم الحلفاء الذين يدعون أنهم يدعمون الشعب السوري؟
أسئلة منطقية ومحقة، ولكن من غير المنطق أن لا يفهم جزء كبير من الشعب السوري هذه المسألة الخطيرة، والذي يهاجم الحكومة السورية وحلفائها ويتهمهم بالتقصير، القضية أعقد من ذلك، وللشعب السوري كل الحق بالمطالبة بحقوقه ونال مالم يناله شعب على وجه البسيطة من الظلم والقتل والمرارة، لكن قبل ذلك عليه أن يفهم حجم المعاناة وحجم الضغط الهائل على الدولة ومؤسساتها المعنية بتأمين احتياجاته، لأن الدولة في ظل هذه الظروف لا تستطيع أن تنتج النفط من الهواء، ولا تستطيع أن تؤمن موارد الطاقة وهي محاطة بكل هذه القيود، هنا يكمن جزء كبير من الخبث في الحرب على سورية، بعد أن عجزت الدول التي تملك أجندات إقليمية ودولية عن تحقيق مشاريعها، من خلال تفتيت الدولة وكياناتها من الداخل ليهب ما تيسر لهم من هذا الشعب الصامد أمام الموت المحتم، ويواجه بكل صبر وإيمان، فتتلقفها وتستخدمها كأداة حق يراد به باطل لتفتيت البلاد على حين غرة، مستغلة بذلك نقمة الشعب، أو بعضه بسبب العوز والجوع والمرض ومرارة الوجود، أو تطير بها إلى ما يسمى المجتمع الدولي ليعطيها الضوء الأخضر في إنقاذ ضحاياهم من أبناء الشعب السوري.
هذا مايؤكده الدكتور فادي عياش الخبير الاقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين في المجلس السوري الأوروبي حيث قال:
هناك حرمان من مصادر الطاقة وهناك عمليات تدمير لمنع إعادة تشغيل مصادر الطاقة لاحقاً، ثم الكلف الباهظة جدا للبدائل المتاحة من خلال الاستيراد، طبعا لو كان الاستيراد متاحاً، بشكل بسيط لدينا من الإمكانات والموارد ماهو كاف لتعويض هذا النقص، لكن جاءت العقوبات الاقتصادية الممنهجة التي تعد أشد وطأة من الحرب العسكرية، وهذه العقوبات أدت إلى زيادة أعباء وتكاليف
وفيما يخص دور الحلفاء الذين يتساءل البعض عن دورهم كونهم كبار منتجي النفط والغاز في العالم لماذا لا يقدمون من الدعم ما يحتاجه الشعب؟ للأمانة نقول أن كل حلفاءنا قدموا كل ما يستطيعون ولكن يجب أن ندرك أن الاقتصاد العالمي محكم، والطاقة تحديداً هي أحد أهم مفاتيح التحكم في الاقتصاد العالمي، وهي محكمة بشكل تام، وهناك صعوبة لوجستية بالغة في تأمين النواقل القادرة على تأمين الشحنات البديلة، والعقوبات الظالمة أحادية الجانب تعيق وتصعب الأمر أيضاً، وبالنسبة للحلفاء، مثلاً روسيا لا يمكن أن تتخطى القانون الدولي ولو كان ظالماً لأنها مجبرة على تطبيق نظام القانون الدولي وتحتاج أيضاً إلى تأمين نقل هذه الشحنات وإيصالها، وهنا يجب أن نؤكد أن عملية التامين عملية دقيقة جداً وعقود التأمين أيضاً مسيطر عليها، وإذا ما كان هناك من سيغامر ويزودك بالطاقة فكيف سوف يؤمن على النواقل، هذا عدا عن أسلوب تأمين المقابل ودفع تكاليف المادة المنقولة، والأزمات التي تحدث في سورية هو نقص في الإمداد وليس في المصادر، وهناك عدة سفن كانت تنقل النفط تم منع تمريرها أكثر من مرة وتمت مصادرتها كان بعضها يريد عبر قناة السويس ولم يسمح لها، ومؤخراً تمت مصادرة ست ناقلات نفط تحت شعار تطبيق القانون الدولي لأنك تحت الحصار، وهناك أسباب أخرى كتجار الأزمة من ضعاف النفوس، وطريقة التعامل مع الأزمة من قبل بعض المسؤلين في توصيف وشرح مبررات التقصير أو قطع الإمدادات، ولكن الأهم أن ندرك هنا أنه لابد من أن يكون هناك مجال ووسيلة لوضع المواطن السوري في صورة الواقع وفي حقيقة الأزمة في هذا المجال أو ذاك، حتى يكون المواطن على علم بالصعوبات والمشاكل التي تعيق تأمين احتياجاته". انتهى الاقتباس.
الشعب السوري بمعظمه يعلم هذه التفاصيل ولا يحتاج إلى أحد ليدله أو يعلمه ما الذي يجب عليه فعله، وست سنوات من التضحية الصمود في وجه الموت كافية لتقطع كل السبل على من أردوا بهم الشر والدمار، والخوف هو من بعض ضعاف النفوس سواء كانوا في مراكز السلطة أو خارجها ممن يحملون على عاتقهم تطويع ما تيسر لهم من أبناء الشعب، حتى يقوم على حكومته ليتحقق حلم القضاء على الدولة السورية، وهذا ما لن يحدث والله أعلم.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)