وكانت احتفالات الزواج تستمر من خمسة عشر يوماَ إلى شهر، وتختلف بعض العادات وطقوس الزواج في النوبة من منطقة إلى أخرى، وتمر عملية الزواج بثلاث مراحل:
أولها مرحلة احتفالات ما قبل الزواج:
بيرجار " طلب اليد"، "أدسيمار أو الشيلة" بداية الإعداد الرسمي للزواج، ثم "كوفرية" وضع الحنة للعروسين قبل ليلة الزفاف.
والمرحلة الثانية هي احتفالات الزواج وتشمل: "باليه، أو أركنه" يوم الزفاف الرسمي.
المرحلة الثالثة وهي احتفالات ما بعد الزفاف: "الصباحية" وهي اليوم التالي للزفاف ويشمل: "باركيد" (البركة) أو تيجر (الجلوس) ويحتفل بها في اليوم الثالث من الزفاف
"كولود " كلمة نوبية بمعنى (سبعة) في الزواج يشير إلى نهاية الاحتفالات في اليوم السابع
بــيــرجـــار
على أسرة العريس أن تبدأ المفاوضات مع أسرة العروس، وفي اليوم المحدد يتجمع أعضاء أسرة العريس من الرجال وأصدقائه في منزل العريس، ثم ينطلق الجميع "ماعدا العريس" إلى منزل العروس، وتبدأ الإجراءات الرسمية عندما يقترب والد أو أحد أقارب العريس من وكيل العروس، قائلاً: جئنا نطلب معروفاً، جئنا نطلب يد ابنتك لابننا، فيرد الوكيل،(يشرفنا هذا، البنت بنتكم والولد ولدنا).
وهذا الرد الرسمي ناتج عن اتفاقات مسبقة جرت بين العائلتين قبل هذا اللقاء، فسرعان ما يتفق الجانبان ويقرأ الجميع الفاتحة، ثم يقدم الفشار والبلح للضيوف، وخلال فترة المفاوضات لا يؤخذ رأي العروس في أمور الزواج وفقاً للمعايير النوبية، فالفتاة المهذبة لا تعترض على فتى يراه أبوها أو ولي أمرها مناسباً لها، ومنذ اليوم الأول للتقدم أو الخطوبة لا ينبغي أن يرى العريس العروس تحت أي ظرف من الظروف حتى يوم الزفاف.
أدسيمار
هو اليوم الرسمي لبدء الإعداد لحفل الزفاف، ويأتي هذا اليوم قبل خمسة عشر يوماً أو شهر قبل الزفاف، وكانت تقوم القرية والقرى المجاورة بالمعاونة في الإعداد والتجهيزات وترسل امرأة من الخدم لإعلام المنطقة بموعد الاستعدادات للاحتفالات، فعندما تجتمع النساء والفتيات الصغيرات للعمل في هذا اليوم يقدم إليهن المديد (خليط من دقيق الذرة والسمن والعسل واللبن)، ويقدم "المديد" للعروس أولاً لأن هذا يرمز إلى الرخاء والسعادة المؤكد لها في الزواج.
وتبادر أسرة العريس والعروس بتنظيم وترتيب احتفالات الزواج، وتتحمل أسرة العريس كل الأعباء المالية، فالعريس لا يشارك في تفاصيل التجهيزات، إلا أن العروس تشاهد طحن الدقيق الذي سوف يقدم طعاما أثناء الاحتفالات وكذلك صناعة الشعرية وإعداد الخبز وطلاء حجرات العروسين.
وكانت تقوم النساء بطحن ما يقرب من 100 أو 150 كيلوغراما من الدقيق والذرة يدوياً، وهذا لإعداد الخبز والشعرية، ثم يعد على حجر الرحى، ويستغرق الطحن من أربعة إلى ست أيام (والشعرية طعام يشبه المكرونة الاسباجتى)، يأكلها النوبيون مع السمن واللبن في المناسبات مثل الموالد والأعياد والزواج.
إعداد مقر العروسين يعد من العناصر الأساسية في الزواج، حيث تقوم صديقات العروس بتزيين الحجرة وطلاء الجدران بمادة تميل إلى الاحمرار، مصنعة من المواد الخام المحلية، ثم يضعن السلال والأطباق الملونة والحصائر الملفوفة حول الحجرة، كما تعلق المرايا والأواني والصور وأحجبة العين الحسود على المعلقة (الشالوب).
ويقوم الآباء والأقارب من الجيل القديم بإهداء معظم هذه الأشياء، أما الأطباق والحصائر فتصنعها وتقدمها الفتيات كهدايا زواج للعروسين، وكانت تعتبر من (الكرى) أي النقوط باللغة العربية وهي من شعائر الرابطة بين النوبيين، وتسجل هذه الهدايا التي قدمت حتى ترد في مناسبة مماثلة في المستقبل، فعدم الالتزام بهذه الواجبات يشكل إهانة بالغة ويؤدي إلى قطع الروابط الاجتماعية.
ثم يجتمع الناس في منزل العريس لمدة خمسة عشرة ليلة ويرقصون من بعد الظهير وحتى منتصف الليل، وكلما اقترب يوم الزفاف اتسم الرقص بالحيوية والنشاط.
وكانت هناك ليلة تسبق ليلة الحناء وتسمى (تنجود يندبى)، وفيها يتم ذبح البقرة والماشية للوليمة، فيجتمع الضيوف في منزل العريس ليرقصوا ويشاهدوا ذبح الماشية، وبينما يقوم الجزارون بالذبح، يجلس الرجال مع العريس في ركن من أركان المنزل، وتتجمع النساء والفتيات معا في الجانب الآخر من المنزل، والغناء يعد من أهم السمات التي تميز هذه المناسبة، وكانت موضوعات الأغاني تركز على المدح المفرط لأسرة العروسين.
وبعد انتهاء مراسم الذبح يتم إعداد الطعام الذي يتناوله الضيوف في هذه الليلة، وطعام الوليمة التي تقام في اليوم التالي، ثم يقدم الطعام للضيوف الذين جاءوا من أماكن بعيدة في هذه الليلة، أما أهل القرية والقرى المجاورة فيتناولون طعامهم في منازلهم
كــوفــريــة "الـحنــاء"
تعتبر نساء النوبة "الحنة" من الأدوات الرئيسية للتجميل، إن حنة العروسة من الضرورات الهامة فهى توضع في اليدين والقدمين وعلى سائر أجزاء الجسم، وتقوم الأقارب من النساء ذات الأبناء بوضع الحنة للعروس، وتتكرر العادات المرتبطة بالحنة في يوم صباح الزفاف، وفي اليوم الثالث والسابع للزفاف، ومنذ ليلة الكوفرية " الحنة " تتبادل أسرة العروسين الهدايا التي تسمى" النقوط "، ويقدم النوبيون نقوط الزفاف للعروسين ولأم العريس والعروس، ويبدأ أحد الخدم في ليلة النحر ووضع الحنة، بتسليم نقوط أم العروس إلى أم العريس في طبق عميق مصنوع من الخوص مليء بالشعرية وعليها أقماع من السكر، ثم تعيد أم العريس السلة بعد أن تملأها بالحبوب.
تقرير: أحمد عبد الوهاب