سبوتنيك: ما هي قصتك مع الصقور؟
الحبيشي: لقد ترعرعت منذ صغري في بيئة تدعو للكرم والشهامة، وتحث على الاعتزاز بالأصالة والتفاخر بالموروث العريق لعاداتنا وطباعنا، وكنت أحب كثرة الخروج للرحلات البرية والسفر إلى الأقطار المتعددة بقصد السياحة والترويح عن النفس، وكذلك التعرف على عادات وتقاليد الشعوب من حولنا، وكانت بداياتي في تربية وتدريب الخيول التي تملكت جزءا كبيرا من اهتماماتي وما زالت، والتي ورثتها عن أبناء عمومتي، وكنت حينها أملك مجلس على الطابع البدوي القديم خيمة "بيت شعر"، يحضره الأصحاب والأقارب للتسامر وتبادل الأحاديث في أوقات الفراغ، وفي أحد الأيام سألني أحد أقاربنا الكبار في السن والذي كان دائم التردد على مجلسنا، عن عدم وجود صقر في الخيمة وتسائل عن عدم تعلقي بمثل هذه الهواية التي تبعث بالنفس الاعتزاز وتعبر عن الفروسية والشهامة.
سبوتنيك: ألم تكن تعلم شيئاً عن الصقور؟
الحبيشي: كنت حينها قد سمعت عن هواية تربية الصقور، نظراً لعدم انتشار هذه الهواية في المنطقة التي كنا نقيم فيها في ذلك الحين، عليه قررت أن أشتري صقراً كمحاولة مني للتقرب من ذلك الطائر والتعرف عليه، وفي خلال بحثي عن صقر لأشتريه ذكر لي أن منطقة حفر الباطن في السعودية توجد بها محلات لبيع الصقور، يمكن لمن يمارس هذه الهواية أن يجد ضالته لديهم، وبالفعل توجهت إلى إحدى الخيام التي كان أصحابها يمارسون البيع والشراء بالصقور، وحال دخولي إلى الخيمة استقبلنا أحد الأشخاص بالترحيب الفاتر، ونظراً لقلة معرفتي بهذه الهواية قام الرجل "المفتول الشوارب" بالاستهزاء بنا، محاولاً السخرية من قلة معرفتنا بالصقور والتهكم من تحضرنا الواضح من تعاملنا وملابسنا، من هنا جاء في نفسي شيء من الحزن والامتعاض لما قام به ذلك الرجل ومن سخريته بقلة معلوماتنا ومعرفتنا، وكأنه يقول أن مثل هذه الهواية هي حكراً عليه ولا يمكن لأمثالنا من الحضر ممارستها، وخرجنا وأنا أحمل إصرارا كبيرعلى أن أمتلك صقراً، وأن أغوص في عالم الصقور مهما كلف الأمر، وأن أتعلم جميع خفايا هذه الهواية، وليس هذا كل غايتي بل أني كنت مصراً على أن لا تكون مثل تلك الهواية والموروث الأصيل العريق الضارب بجذوره على مر القرون حكراُ لفئة تجهل أبسط أخلاقيات العلم والمعرفة والثقافة العامة، ومن خلال القيام بإنشاء مجلس يجتمع به هواة تربية الصقور في منطقتي التي كانت تفتقر لمثل هذه المجالس، وبالفعل تم ذلك بمساعدة بعض الأخوان والأصحاب الذين كان لهم اهتمام بهذه الهواية وقد أسميته "ملتقى الجوارح".
سبوتنيك: "ملتقى الجوارح"، ماهو دوره؟
الحبيشي: كان هذا الملتقى هو نقطة البدء للتعلم وممارسة هذه الهواية، ولله الحمد لقي هذا الملتقى إقبالا كبيرا من المهتمين ومحبي تربية الصقور، نظراً لافتقار منطقتنا لمثل تلك المجالس، وكان ذلك عام 1411هـ ، وكان يلتقي به الصقارة والمهتمين من كل مكان لتحقيق المعرفة وتناقل المعلومات والأخبار وتبادل الأحاديث عن الصقور ورحلات الصيد، وبدأت رحلتي مع الصقور في السفر إلى الدول العربية ودول الخليج وكذلك الدول الأوروبية لتوفر الأندية والجمعيات التي تهتم بالصقور، وجمع الكتب والأبحاث التي تتحدث عن الصقور، وبوجود ملتقى الجوارح كنا نتبادل المعلومات ونقدم النصح والإرشاد للهواة عن كيفية الاعتناء بالصقر وبصحته، وتوفير العلاج والأدوية الطبية الحديثة والتي تغني عن كثير من العلاجات الشعبية والتقليدية التي كانت تستخدم وتتداول في ذلك الحين.
سبوتنيك: "مقيض للصقور"، هل لك أن تفسر لنا ما تعنيه تلك العبارة؟
الحبيشي: "مقيض الصقور"، يتم فيه تقديم الدروس عن كيفية التعامل مع الصقور وتدريبها، وتوفير جميع اللوازم والأدوات التي يحتاجها "الصقارة"، في ممارستهم لهواية الصيد بالصقور، وكنت أول من أنشأ "مقيض للصقور"، للعناية بصقور أعضاء ملتقى الجوارح والعملاء أثناء فترة الصيف بمنطقتنا، كما أننا وعلى مدار العشر سنوات الماضية شاركنا بجناح عرض الصقور الحية، ضمن أنشطة إمارة منطقتنا بمشاركتها في فعاليات مهرجان "الجنادرية" للتراث والثقافة الوطني، الذي كان آخره جناح عرض الصقور بمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة، والذي تم فيه استقبال الزوار من الأمراء و السفراء والوفود الرسمية والدبلوماسية وطلاب المدارس وغيرهم من الزوار للتعريف بتراث وأصالة ممارسة الصيد بالصقور.
سبوتنيك: هل هناك معارض للصقور بالمملكة؟
الحبيشي: نقوم بعمل المعارض التراثية الخاصة فيما يخص عرض الصقور الحية كحرفة مارسها آباؤنا وأجدادنا، والتعريف بجميع جوانبها وتأصيل للموروث الزاخر لنقله إلى الأبناء، وعرض بعض الحرف التراثية القديمة التي كانت تمارس من قبل بعض رجال الصحراء ونسائهم "حياة البداوة"، والتعريف بحياتهم وكيفية تعايشهم في الصحراء، والتي تقام للوفود الأجنبية وضيوف وموظفي كبرى الشركات الخاصة بالمنطقة، كشركة "أرامكو" السعودية، وأذكر أن أول صقر اشتريته، كان من نوع "وكري" من مدينة الرياض حي الديره وكان ثمنه 600 ريال، وأغلى صقر كان بـ 70 ألف ريال من نوع حر مغتر فارسي.
سبوتنيك: ما نوع العلاقة التي تجمع "الصقار" بصقره؟
الحبيشي: الصقر هو الأداة الرئيسية لتلك الرياضة، لذلك يحظى الصقر بعناية وتدريب خاص من قبل الصقار، والقنص أو الصيد بواسطة الصقور رياضة ممتعة يتعامل فيها الصقار والصقر معاً بتناسق شديد، يتطلب تحرك سريع ومهارة وتركيز، وتتولد بين الصقر والصقار علاقة حميمة منذ بداية التعامل بينهما حيث يقوم الصقار بتدليل طائره ومخاطبتة وتسميته بأحب الأسماء إليه، ويستعين ببعض الأدوات والمستلزمات التي تساعده على تدريب الصقر.
سبوتنيك: ماهي أنواع الصقور وأفضلها من وجهة نظرك ولماذا؟
الحبيشي: هذا السؤال يحتاج إلى بحث طويل وشرح مفصل، فأنواع الصقور كثيرة جداً، وتعتمد المفاضلة على طبيعة المنطقة التي تقنص بها وأنواع الطرائد التي تفضل أن تقنصها، وقد اشتهر العرب في اقتنائهم للصقر الحر، بينما نجد أن الأوروبيين ومنذ القدم وكذلك بعض مناطق الصين قد فضلوا الصقر الباز والشاهين، وعليه فالتفضيل هنا يعتمد على المميزات والصفات لكل صقر.
سبوتنيك: هل لك أن تحدثنا عن إحدى رحلات القنص التى قمت بها؟
الحبيشي: في الغالب الرحلات تكون إما بجماعات مكونة من 10 أشخاص فما فوق، وقد تصل إلى 100 شخص كالرحلات التي تنظمها الأندية الأوروبية، أو رحلات تكون بجماعة قليلة كشخص أو شخصين وبسيارة واحدة أو سيارتين، وعادة ما تكون قريبة من منطقتنا، وعليه يختلف الاستعداد لتلك الرحلات، فالرحلات الخارجية لها استعداد والرحلات الداخلية لها استعداد آخر، والمهم في جميع أنواع الرحلات هو الإعداد الجيد للصقر فهو الأداة الرئيسية لممارسة هذه الهواية وعليه فأنه كلما كان إعدادك للصقر من الناحية الصحية والناحية البدنية جيد كان ذلك أمتع في الإثارة.
سبوتنيك: هل هناك أدوات معينة يجب توافرها مع المقناص؟
الحبيشي: قد تختلف الأدوات من شخص إلى آخر ومن رحلة إلى رحلة أخرى، ولكن أهم تلك الأدوات هي اللوازم التي أحتاجها للتعامل مع صقوري كلمخلاة، وهي حقيبة مصنوعة من القماش السميك توضع بها البراقع والسبوق وبعض الحاجيات كالسكاكين والشباك والخيوط، وقفص به بعض الطيور كالحمام والسمان وحديثاً جهاز التتبع، وهو عبارة عن جهاز صغير يوضع في الصقر وجهاز آخر يبقى معي لأستطيع من خلاله تحديد مكان صقري لو فقد.
سبوتنيك: ما هو أغلى طير اشتريته وهل مازال موجوداً عندك؟
الحبيشي: أغلى طير اشتريته كان "حر فارسي" ملون كاشف الرأس 17×17.5 قرناس وحش وقد بعته في دولة الكويت.
سبوتنيك: أفضلية الطائر تتوقف على السعر؟
الحبيشي: قد يكون ذلك صحيحا، ولكن دائماً السعر يعتمد على العرض والطلب وعلى الميزات والصفات التي يتمتع بها الصقر.
سبوتنيك: كيف ترى أوضاع الصقارين والصقاره في الوقت الراهن؟
الحبيشي: قد أكون أصغر من أن أقيم أو أحاول تقيم الصقارة في وقتنا الحاضر، فهناك عمالقة لهذه الهواية ومن هم يمتلكون من الخبرات ما يسطر في كتب، ولكن الجميع يلاحظ مدى الوعي والتثقيف الرائع الذي وصل إليه شبابنا من الصقارة في ممارستهم لهذه الهواية.
سبوتنيك: سمعت إن تدريب الصقر"الشاهين" أصعب من "الأحرار" فهل هذا صحيح؟
الحبيشي: نعم قد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، والحقيقة أن هذا النوع من الصقور" الشاهين" لا تكمن الصعوبة معه في التدريب، وإنما قد تكون الصعوبة في الاحتفاظ به، بل أن من صفات الشاهين أنه سريع التربيب لسرعة شعوره بالجوع وهذا ما قد يسهل على الصقارعملية التدريب، والتدريب يعتمد على مبدأ الجوع، ولكن "الشاهين" أقل سرعة في التعلم من الصقر "الحر" بسبب سرعة أصابته بالأمراض، وبطء عملية القرنسة وهي تبديل الريش، وحدة مزاجه وقلة هدوئه، وكثرة خفقانه، وعدم تحملة لدرجات الحرارة العالية، لذا اعتبره كثير من الصقارين أنه أصعب من الحر.
سبوتنيك: لماذا يفضل الصقارة الطير الخالي من المدامع، أو بمعنى آخر الطير الصافي، الاهتمام بالشكل وليس الفعل؟
الحبيشي: للناس مذاهبٌ فيما يعشقون، ولكل منا نظرة للجمال، وهنا أجدك تتحدث عن الصقر الحر وهو سلالات كثيرة وله مواطن كثر، وقد عرف عن من سبقنا في هذه الهواية، أن تلك السلالة التي تخلو من المدامع، غالباً ما تكون أكفأ في الصيد ولها قدرة عالية في السرعة والمناورة والخبرة، حيث أن هذه الفصيلة تسكن في المناطق التي تكثر فيها الحباري والطيور الكبيرة كالجبال الواقعة في إيران وشمال العراق، وهذا ما يرفع قدرة الصقر عند تعامله مع تلك الأنواع من الفرائس.
وللأهمية فأن لشكل الصقر مدلولات كثيرة عند المحترفين في هذه الهواية، ففي كثير من الأوقات يصعب على الصقار اختبار الصقر في فعله، لذلك يعتمد الكثيرون على الشكل والمتميز من كان له خبرة طويلة في هذه الهواية، وقد مر عليه صقور كثيرة يستطيع من خلال الشكل أن يعرف ولو بعض من قدرات الصقر.
سبوتنيك: "الوكرى" هو النوع الذي لا يفضله "الصقارة لماذا؟
الحبيشي: هذا النوع من الصقور غالباً ما يكون حجمه صغير، وقدرته على صيد الحباري قد يكون بها شيء من الصعوبة لتفاوت الحجم بين الصائد والمصيود، إلا أن ذلك لا يمنع من أن نجد بعضها قد تغلب على فارق الحجم بقوة القلب والجراءة بل أن بعض صقور "الوكري"، قد تتفوق على بعض صقور الحر في الصيد والمهارة.
سبوتنيك: من هم المتعاملين في الصقور؟
الحبيشي: إن المتعاملين مع الصقور في نظري هم ثلاثة وكل له اختصاصه، فمنهم "الشباك"، وهو من يقوم باصطياد الصقور وبيعها، ومنهم "التاجر" الذي يشتري الصقور من الشباكة، ومنهم "الهاوي" وهو الذي يشتري الصقور ليمارس بها هواية، وأعتقد أنني من الهواة وهذا ما أفضله.
سبوتنيك: نصيحة تقدمها للصقار؟
الحبيشي: أنصح زملائي بالاهتمام بالصقر عن طريق البحث والاطلاع والقراءة، والسؤال عن أي شيء وعدم التحرج من ذلك، فكلنا كنا لا نعرف، وكلنا نعرف أن المعرفة لا حدود لها.
أجرى الحوار: أحمد عبد الوهاب