كان الأب الراحل رسم بصعوبة للرجل المتصل، باستخدام قلم رصاص وألوان شمع، خريطة لمكان ما تمكن من اكتشافه في مستوطنة سلتية قديمة على تل دونسبرغ.
وبحسب (د.ب.أ)، أكد الخبراء أن صيادي الكنوز نهبوا من جميع أنحاء أوروبا على مدى العقود القليلة الماضية الموقع الذي تبلغ مساحته 90 هكتارا وتحيط به ثلاثة سدود دائرية.
وقال إكهارد لاوفر مدير مباحث التحقيقات بشرطة الولاية "لقد اختفى الكثير (من القطع الأثرية) لينضم إلى مجموعات خاصة أو تم بيعه"، مؤكدا أنه لا يمكن قياس مدى الضرر الذي وقع.
من جانبه، قال أودو ريكر عالم الآثار بولاية هيسن "أي نشاط نهب يمثل خسارة مادية وعلمية"، مضيفا أنها "مشكلة يتم التهوين من خطورتها".
ويعد تل دونسبرغ الذي يبلغ ارتفاعه 500 متر، والذي التقى عليه الكلتيون (السلتيون) والرومان ذات مرة، من بين المعالم الأثرية الأكثر أهمية في ولاية هيسن. وهذا أيضا يجعله جذابا للغاية للصوص، وفقا للاوفر.
وتابع "ولكن غيره من المعالم الأثرية الميدانية المعروفة وتلك المعلمة على الخرائط تعد أيضا أهدافا للنهب".
في ولاية هيسن، تشمل المعالم الأثرية "هايدترنك اوبيدوم" وهي عبارة عن مستوطنة أخرى محصنة تعود للعصر الحديدي، وتلال دفن ترجع لعصور ما قبل التاريخ والحدود الرومانية التي كانت تستخدم لتحديد الإمبراطورية.
ولا يسمح بالبحث عن البقايا والقطع الأثرية في ألمانيا إلا بعد الحصول على تصريح.
وهناك ما يتراوح بين 200 و300 مستكشف أو باحث آثار مسجل في ولاية هيسن، وفقا لريكر، ولكن لا أحد يعلم كم عدد اللصوص.
وقال لاوفر "إنها جريمة خفية شائعة، وإجراء عمليات تفتيش منتظمة أمر مستحيل".
وتقع العديد من المواقع المنهوبة على أراض خاصة، ولذلك فإن عمل اللصوص يكون أكثر سهولة.
ويفضل صيادو الكنوز أيضا العمل في أوقات معينة في العام لكي توفر لهم أوراق الشجر غطاء إضافيا، وفقا للاوفر الذي يضيف "ولكنهم يعملون طوال العام، حتى في الليل".
وقال جارسكي إنه على دراية نسبية بنشاط اللصوص وإنه حصل في بعض الأحيان على معلومات جيدة من معارفه، موضحا "إنهم يعرفون بعضهم البعض لكنهم ليسوا مرتبطين".
أما لاوفر فيقول إن اللصوص يبحثون دائما عن مواقع جديدة: فعندما ذكرت صحيفة أنه تم اكتشاف معسكر لجيش الرومان، عند بناء جسر جديد كجزء من طريق سريع في بلدة ليمبورج آن دير لان القريبة في عام 2012، مرت بضعة أيام فقط قبل أن تبدأ عمليات نهب المعسكر.
عندما أسقطت عاصفة عدة أشجار في دونسبرج في عام 2007، أجرى حارس الغابة اتصالا هاتفيا بجارسكي ليبلغه عبارة: "الآخرون وصلوا بالفعل."
وكان الحارس يتحدث بالطبع عن اللصوص، الذين كانوا يستخدمون أجهزة الكشف عن المعادن للبحث عند جذور الأشجار حيث "كانوا يأملون في العثور على شيء لم يصل إليه أحد منذ عقود"، وفقا لجارسكي.
وفي العام الماضي، تم فتح تسعة تحقيقات في عمليات نهب، بما في ذلك أربعة تحقيقات فيما يتعلق بأشخاص يسعون لصيد تذكارات عسكرية مثل الزي الرسمي، وعلامات الهوية وقطع أخرى ترجع إلى الحرب العالمية الثانية.
وبين عامي 2010 و 2016 تم رفع ما مجموعه 64 قضية نهب. وعندما يجد المحققون ثقبا في أحد المواقع دون العثور على الجاني فإنهم يسجلون الجريمة كدعوى ضد مجهول.
ولا يسفر الكثير من هذه القضايا عن نتيجة، ولكن ليس جميعها.
في عام 2012 تم القبض على سارق في موقع ليمبورج. وبعد ثلاثة أعوام تم تغريمه 400 يورو (423 دولارا).
ويشعر لاوفر وجارسكي بالفخر بشكل خاص من قضية واحدة ترجع إلى ما يقرب من 13 عاما، وتعرض نتائجها منذ عامين في متحف كيلتنكلر في ولاية هيسن.
وهي عبارة عن قضية سرقة لجام من العصر الكلتي (السلتي) يتألف من سبع قطع مع خوذة مطلية وخمس قلادات وأشياء خاصة بالدفن مزينة بأنياب الخنازير ورسن خيل روماني، وهو نوع من الألجمة ، مصنوع من النحاس.
وقد تم العثور على هذه القطع الأثرية في دونسبرج في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وتمت مصادرتها عام 2004 من وسيط كان يريد بيعها إلى ولاية هيسن مقابل 47500 يورو.
وتحركت الشرطة عندما ذهب الرجل لعرض القطع في وكالة التراث بالولاية في مدينة فيسبادن واتهمته بترويج بضائع مسروقة، على الرغم من أن قانون التقادم يعني أنه لا يمكن اتهامه بارتكاب جريمة سرقة خطيرة والاحتيال.
وأشار لاوفر إلى أن الرجل حصل على حكم مع وقف التنفيذ.
وقال جارسكي إن العديد من لصوص المقابر يعيشون حاليا في عصر أصبح يتعين عليهم فيه التفكير في ما يجب القيام به بالأشياء والقطع التي سرقوها.
فقد وصلت القطع التي سرقها والد الرجل الذي اتصل بجارسكي إلى أحد المتاحف، وشعر جارسكي بسعادة غامرة للحصول على خريطة الكنز.
وأضاف أن "الموقع ومعرفة ما تم العثور عليه بالضبط في كثير من الأحيان يكون أكثر أهمية من الكشف نفسه"، مضيفا أن أكثر ما يهمه هو "كيف كان الموقع يبدو قبل أن يتعرض للنهب".
وحذر لاوفر كل اللصوص: "بصرف النظر عن وقف هواية مدمرة، سيكون تصرفا أكثر ذكاء أن تبلغ عالم آثار عن اكتشاف ما قبل أن تجدنا نطرق على بابك".