بعد ذلك تمت ترجمة هذه النصوص إلى أكثر لغات العالم الحية باستثناء اللغة العربية، بحسب ما أكده الكاتب فايز مقدسي في مجلة "معابر" الإلكترونية.
وأشار مقدسي إلى أن المختصين اكتشفوا بعد القراءة أن أكثر تلك النصوص والكتب قد ذكرها بعض من نسميهم اليوم "آباء الكنيسة القدماء" واعتبروها كتابات غير صادقة واتهموها بأنها كتابات الغنوصيين السوريين.
ولفت مقدسي إلى أن "الغنوصية"، كلمة يونانية الأصل وتعني "المعرفة"، هي أفكار مجموعة من السوريين ثم المسيحيين الأوائل في سوريا. وقد اعتبر هؤلاء أن حكاية خلق العالم الواردة في بعض الكتب السماوية حكاية مزيفة وموضوعة، وأن المسيحية عقيدة سورية فيها كل أصول وطقوس الروحانية السورية التي كانت معروفة من الألف الثالث قبل الميلاد في كل أنحاء الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى.
ولفت الكاتب إلى أنه كان على رأس هؤلاء الغنوصيين "مارقيان" السوري الذي لم يقبل من الأناجيل الكنسية سوى إنجيل لوقا، وبعض رسائل بولس الرسول، واعتبار أن المسيح كان بالنسبة إلى الغنوصيين السوريين (سوري) لا ريب فيه.
وأكد مقدسي أن الكنيسة الأولى شنت حرباً شعواء على الغنوصيين السوريين، ورفضت تبني أفكارهم وحاربتهم في كل مكان وأحرقت الكثير مما كتبوه، لافتاً إلى أنه قد يكون هذا هو الأمر الذي جعل بعض الغنوصيين يدفنون كتبهم وأناجيلهم تحت الأرض وفي مكان بعيد هو مصر، خوفاً عليها من أن تختفي وتحرق ويتم إتلافها من قبل الكنيسة. ولكن وكما سبق فقد ذكر بعض الآباء المؤسسين الأوائل للكنيسة مقتطفات من بعض تلك الكتب.
وهكذا نرى واحداً من الآباء الأوائل، والذي كان يحمل اسم أبيفون، قد كتب رسائل كثيرة يسرد في بعضها مقاطعَ من الكتابات الغنوصية السورية ويفند ما جاء فيها. ونراه ينفي أن يكون هناك إنجيل يحمل اسم "إنجيل حواء"، وهي عاشت قبل مجيء المسيح بآلاف السنين.
كما أنه — أبيفون — ينتقد فكرة تعظيم حواء وفكرة أن الغنوصيين السوريين اعتبروا أنها هي التي منحت البشر المعرفة لأنها أكلت من شجرة المعرفة في الجنة فهي بذلك أول غنوصية (كما نظرت إليها جماعة المعرفة السورية) في التاريخ.
لقد تبقى من إنجيل حواء صفحة واحدة فقط، وهي التي أوردها أبيفون في رسالته والتي لولاها لما كنا عرفنا شيئًا عن ذلك الإنجيل السوري الغنوصي القديم. وهذا هو المقطع المتبقي إلى اليوم من الإنجيل المذكور:
(تقول حواء: بينما كنت واقفة على قمة جبل شاهق — أبصرت شخصاً طويل القامة — ورأيت شخصاً آخرَ قصير القامة — ثم تناهى إلى سمعي صوت كأنه قصف الرعود — فاقتربت من الشخصين لأسمع كلامهما فسمعت الأول يقول لي: أنا أنت وأنت أنا، أينما كنت فإنك تكونين، أنا الموجود في كل شيء، وأنت على صورتي ومثالي كيفما شئت، وعلى أيِّ وجه رغبت، أنت شبهيتي وأنت توأمي، وفي كونك على صورتي ومثالي، فأنت أنا وأنا أنت.)
وأكد مقدسي أن هذا كل ما تبقى من إنجيل حواء الذي كان دونما شك معروفاً من قبل الكثيرين في سوريا، وإلا فكيف تمكن أبيفون من قراءته؟ّ.
ولا شك أيضًا أن الكنيسة أتلفت هذا الإنجيل الخطير والذي وكما يبدو من المقطع المتبقي منه أنه كان كتاباً عالي الأهمية في موضوع التماثل الإلهي-البشري، كما أنه يمنح للمرأة، وللمرة الأولى في تاريخ الأديان، المكان الأول في تلقي الوحي الإلهي وكشف أسرار المعرفة الباطنة، بل إن حواء رمز المرأة هنا تكون بذلك أول نبية في التاريخ، أما فيما بعد فسوف تصير النبوة حكراً على الرجل.