شهدت السنوات الأخيرة متغيرات هائلة في العلاقات الدولية وتفاعلاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية ، ولعل أبرز التطورات المتسارعة كانت في تقنية وتكنولوجية وسائل الإعلام ونظم الاتصالات والميديا الالكترونية المتطورة جدا، وقد أصبح العالم قرية كونية صغيرة، ودخلت قوة وسائل الإتصال والإعلام كقوة جديدة من القوى الاساسية للدول الحديثة ليست أقل أهمية من القوتين العسكرية والاقتصادية، بل سبقتها في تطبيقاتها.
وسخرت الدول الغربية بقيادة أمريكية قواها الإعلامية في خدمة مشاريعها التوسعية العسكرية والاقتصادية وغيرها نحو الشرق، وسلطت أبواق فضائياتها لخلق ظروف سياسية وثقافية واجتماعية مواتية لاستمرار نفوذها ونهب ثروات وطاقات تلك البلاد بدون أية خسائر تذكر. كما كلفت مؤسسات بكاملها بتأليف شعارات لهذه الدولة أو تلك كما فعلوا في ما يسمى بدول الثورات البرتقالية كأوكرانيا وجورجيا، ومن ثم استخدموا شعارات أخرى في دول ما يسمى الربيع العربي، ولم تتوقف الآلة الإعلامية الغربية والأمريكية عند هذا الحد بل استمرت وذهبت إلى تصوير مقاطع فيديو لأطفال تحت الأنقاض أو لمدرسة تم تدميرها في استوديهات وفي دول بعيدة عن أرض المعركة وبعد ذلك اتهمت روسيا بتنفيذها، كما اعتمدت فضائيات كثيرة على شهود عيان لا وجود لهم في مكان الحدث.
وقد تحدث لإذاعتنا المستشرق الروسي فياتشيسلاف ماتوزوف عن أنه لا يمكن لأي تنظيم إرهابي أن يستمر لو لا الدعم المادي والإعلامي ورعايته من دولة ما، وقد أتى على سبيل المثال بتنظيم "داعش" الذي يلقى دعما إعلاميا وماديا، وأن المؤسسات الغربية روجت للثورات البرتقالية ومن ثم لما يسمى بالربيع العربي من أجل قلب أنظمة حكم في الدول التي تشهد أحداثا دامية في الشرق الأوسط، وأضاف أنه منذ عام 2011 عندما بدأت ما يسمى بالثورات في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، كيف أصبحت هذه الثورات ممكنة خلال فترة قصيرة من الزمن؟ وقال: إنه هناك قوة كانت تنظم خروج الناس إلى الشارع ضد الحكومات، معتمدة على وسائل إعلام معاصرة، وهذه القوة تستفيد من الصراعات السياسية.
وقال المستشرق فياتشيسلاف ماتوزوف: إن الحرب الإعلامية هي واحدة من الحروب المتنوعة التي يخوضها الغرب ضد روسيا وضد دول أخرى لا تخضع لأوامر أمريكية، وقد رأينا كيف تعرضت بعض الدول العربية التي لم تسير في الركب الأمريكي لحرب إعلامية وسياسية وعسكرية، وما الموجة الإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة والغرب ضد روسيا إلا أحد أساليب الحرب، وعلى روسيا أن ترد بسياستها على أرض الواقع، فمثلا هناك دعم من قبل روسيا الفيدرالية للشعب الأوكراني الذي لا يوافق على أساليب الفاشية والانقلاب الفاشي الذي حصل في كييف، والدعم الإعلامي يساعد السياسة.
إذا باستطاعتنا أن نقول إن العمل الإعلامي في الحالة السورية وغيرها كان يمهد لعمل سياسي وعسكري، العمل السياسي يتمثل في مجلس الأمن واستصدار قرارت بالتدخل كما جرى في ليبيا.
إعداد وتقديم: نزار بوش