مئات الأجنبيات في قطاع غزة قررن الاستقرار في القطاع مع أزواجهن، منهن من استطاعت الحصول على عمل في القطاع الحكومي أو الخاص، ومنهن من لم تستطع، إما بسبب مشاكل في إصدار الهوية الفلسطينية والأوراق الثبوتية، أو بسبب طبيعة العائلات والمجتمع الفلسطيني الذي لا يحبذ عمل المرأة في كثير من القطاعات.
تجاوز على وجود العديد من الأجنبيات في القطاع عشرات السنوات، استطعن خلالها تكوين عائلات والاندماج مع مجتمع جديد بكافة ظروفه الصعبة، وعايشن حروب إسرائيلية طاحنة على القطاع، ومنهن من كانت على رأس عملها خلال هذه الحروب.
يلينا شعث القادمة من بيلاروسيا، والتي تسكن في قطاع غزة منذ 12 عاماً، تقول لـ"سبوتنيك"، إنها تزوجت من فلسطيني قبل 18 عاماً وانتقلت للعيش معه في قطاع غزة ولديها الآن خمسة أطفال.
وأشارت إلى أنها كانت تعيش في بيلاروسيا حياة مختلفة كلياً عن التي تعيشها في قطاع غزة حالياً، لكن عامل الوقت جعلها تندمج مع المجتمع والناس وعائلة زوجها، وظروف العيش الجديدة.
وأكدت شعث أنها تواجدت في قطاع غزة خلال الحروب الإسرائيلية الثلاث أعوام 2008 و 2012 و 2014، موضحةً أنها لم تترك القطاع وتسافر بسبب الظروف الصعبة للسفر كونها أم لخمسة أطفال، إضافة لخوفها على زوجها وعائلتها الجديدة.
وأضافت، "كان الحروب قاسية جداً، وكنا نعيش في خوف مستمر أنا وأطفالي، حيث كنت أسكن مقابل مستشفى الكويتي في مدينة رفح، وكنت أرى جميع القتلى والجرحى من نافذة منزلي، وابني الصغير عبد الله لم يكن يعرف شيء وكان يركض باتجاه الاسعافات أحياناً، وكنت دائمة الخوف والقلق عليه".
وشنت إسرائيل ثلاثة حروب مدمرة على قطاع غزة قتل خلالها مئات الفلسطينيين وأصيب الآلاف، إضافة إلى تدمير البنية التحتية للقطاع، مما فاقم الظروف الانسانية والاقتصادية بشكل كبير.
وأكدت الفرا التي تعمل طبيبة أطفال في العيادة المركزية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن عانت من الكثير من المشاكل في بداية حياتها في القطاع كان أبرزها مشكلة اللغة، مشيرةً إلى أنها اضطرت لدراسة اللغة مع أطفالها الصغار من الصفر.
ولفتت إلى أن مشكلة معبر الرفح البري تعد من أكثر المشاكل التي تواجه الأجانب في قطاع غزة، حيث أنهم يقومون بالتسجيل للسفر من أجل قضاء العطلة الصيفية مع أطفالهم في الخارج، لكنهم وبسبب تراكم المسجلين في أحيان كثيرة لا يستطيعون السفر.
وعن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة تروي الفرا حادثة طريفة قائلةً "عندما سافرت الصيف الماضي أنا وأطفالي تفاجأ الأطفال أن الكهرباء في بيت جدتهم تأتي على مدار الساعة ولا تنقطع مثلما هو الحال في قطاع غزة، حيث أصبحت الأشياء الطبيعية غير طبيعية في القطاع".
وبالحديث عن الحياة في قطاع غزة خلال الحروب ذكرت الفرا أنها عايشت الحروب الثلاثة، وأنها لم تستطع السفر خلال حرب 2008 بسبب عدم إصدار الهوية الفلسطينية الخاصة بها، أما في الحروب التي تلتها فقد كانت التنسيقات صعبة جداً ولم تتوفر فرصة لخروجهم من القطاع.
وأضافت، "لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد كنا على رأس عملنا خلال الحروب، وكان المركز الطبي الذي أعمل فيه قريب من مركز الشرطة، وكان الخطر كبير جداً علينا، خشية استهداف إسرائيل لمركز الشرطة".
وتابعت، "رغم كل الظروف إلى أن الحياة في قطاع غزة لها ميزة خاصة بسبب طبيعة العائلات ووقوف الناس بجانب بعضهم البعض، حيث يجد الشخص له سند وظهر في أي مشكلة أو ظرف يمر فيه، وهذا ما لا يتوفر في الكثير من البلدان الأجنبية، فالترابط الأسري في فلسطين قوي جداً".
ويعاني قطاع غزة من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر منذ قرابة العشرة أعوام بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المحطة الوحيدة لتوليد الكهرباء في القطاع، حيث تصل ساعات انقطاع التيار الكهربائي في بعض الأحيان إلى 12 ساعة مقابل 4 ساعات وصل.
وتستذكر ماضي التي تحمل الجنسية الأوكرانية وتعمل طبيبة في القطاع الحكومي في قطاع غزة، بداية حياتها في فلسطين قائلةً: "عندما جئت لفلسطين أول مرة كنت أشعر أنني غريبة بسبب اختلاف المجتمع، كونه مجتمع اسلامي، وكانت الملابس تختلف عن الناس الذين أعرفهم، كذلك الطباع والتصرفات والحياة بشكل عام، لكنني مع الوقت استطعت الاندماج والتعود على الحياة هنا".
وعن سبب بقائها وأطفالها في قطاع غزة خلال الحروب الثلاثة قالت ماضي لـ"سبوتنيك"، "نحن كأطباء في القطاع الحكومي الفلسطيني لا نستطيع السفر خلال الحروب بسبب حالة الطوارئ والواجب الملقى علينا كأطباء، كذلك في حالتي فزوجي لا يملك سوى الجنسية الفلسطينية ولا يستطيع السفر معنا، ونحن كأسرة واحدة لا نستطيع أن نترك بعضنا البعض في أي ظرف مهما كان".