ويعد هذا التصنيف من بين الأكثر شمولية في العالم، كدليل يساعد الشركات متعددة الجنسيات.
وتجدر الإشارة إلى أن التقرير بحث في 450 مدينة حول العالم، واعتمد على مجموعة من العوامل، في المقارنة بين جودة الحياة فيها، وهي البيئة السياسية "الاستقرار السياسي والجريمة ونفاذ القانون.." والبيئة الاقتصادية "أنظمة صرف العملات والخدمات المصرفية…" إضافة إلى البيئة الاجتماعية والثقافية من حيث توافر وسائل الإعلام والرقابة والقيود على الحرية الشخصية.
كما تم الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الطبية والصحية من ناحية توفر الخدمات الطبية وانتشار الأمراض المعدية، وأنظمة مياه الصرف الصحي والتخلص من النفايات وتلوث الهواء.
كما كان للتعليم تأثير في تقييم جودة الحياة في المدن من حيث المعايير المتبعة فيه، وتوافر المدارس الدولية في المدن التي تمت دراستها، بالإضافة إلى الخدمات العامة والنقل، مثل الكهرباء والمياه والنقل العام وازدحام حركة المرور.
"سبوتنيك" رصدت في السطور التالية أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك:
النفايات تزين الشوارع
قالت الدكتورة بشرى العبيدي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان بالعراق، إن سوء الخدمات وعدم توفرها، أحد الأسباب الرئيسية لوضع بغداد كأسوأ عاصمة في العالم يمكن العيش فيها.
وتابعت العبيدي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن بغداد تعاني من تدني وانهيار الخدمات والبنى التحتية والعشوائيات، ومن ناحية الخدمات فهى بالفعل أسوأ مكان للعيش، حيث تنتشر القمامة في كل المناطق وتتراكم تلك الأكوام على شكل تلال، ولا توجد منظقة بخلاف "المنطقة الخضراء" طبعاً إلا وبها تلال من القمامة، ويترتب على ذلك كم من الأمراض نتيجة انتشار الجراثيم وما يترتب عليها من أوبئة، فهى من الناحية الصحية تعد الأسوأ.
وأضافت بشرى، من الناحية البيئية، الطرق في بغداد أصبحت شيئًا كارثيا، فالمسافة التي تستغرق في الطبيعي عشر دقائق تستغرق أكثر من ساعة، وهذا شيء مرهق بدنياً ونفسياً وصحياً، وكذا بالنسبة لعمليات تقسيم المنازل والمحلات، حيث يقوم الأهالي بتقسيم حدائق منازلهم والبناء من جديد على المساحات الخضراء، الأمر الذي أدى إلى زحام نتيجة التكدس الشديد وهو ما أفسد الذوق العام بشكل كبير، فلم تعد هناك مساحات للتنفس أو الرؤية المريحة للنظر والنفس، كل هذا أصبح غير موجود.
ولفتت العبيدي، إلى أن بغداد لم تعد المدينة التي يمكن العيش فيها، و"أتذكر بيوتنا في السابق والمساحات الشاسعة التي كانت بها، تملأها الأشجار والخضرة والورود لم تعد موجودة، حتى الجزر الوسطية التي كانت بالطرق العامة لم تعد بها أي نوع من الحياة، وعندما تسير في الشارع تشعر بالاختناق من كثرة عوادم السيارات".
وأوضحت العبيدي، "إذا كان هذا هو حال العاصمة بغداد فكيف هو حال المحافظات الأخرى، أنا ذهبت إلى البصرة وصدمت بدرجة كبيرة وكلما ذهبت إليها، في كل مرة أجدها أسوأ من الأخرى، فالمياة آسنة والمباني متهدمة".
ونفت العبيدي، أن تكون الحروب والصراعات هى العامل الوحيد، وأرجعت تلك الحالة إلى القصور الإداري الحكومي والقصور في المحاسبة، فهل يعقل أن تظل البنايات المهدمة نتيجة قصف التحالف كما هى إلى الآن، وقدر مر عليها ما يقرب من 14 عام.
سوء إدارة
وفي نفس السياق، قال اللواء أحمد الشريفي، الخبير الاستراتيجي والأمني، أن سوء الإدارة هو السبب الرئيسي لتصنيف بغداد كأسوأ مدينة على مستوى العالم يمكن العيش فيها، وربما يرى البعض أن المقصود بالإدارة هو الخدمية والاقتصادية والسياسية وبعيدة عن الأمنية والعسكرية، لأن سوء الإدارة والمحاصصة أنتجا مؤسسة أمنية رخوة، الأمر الذي جعل عملية اختراقها من السهولة بمكان.
وتابع الشريفي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، اليوم الخميس، "لا يقتصر الأمر في كون بغداد الأسوأ أمنياً، بينما هى الأسوأ إدارياً، لأن من لم يوفق في إدارة الملفات الأمنية لن يوفق في إدارة ملفات الخدمات، وبالتالي تجد الاختناقات المرورية والتي لم تعالج من سنوات نتيجة عدم توسيع الطرق، ولم يكن هناك احتواء للعشوائيات والتي باتت تتكاثر بشكل انشطاري سريع".
وأشار الشريفي، إلى أن هناك وكالات دولية دخلت العراق لتصنف الأوضاع بشكل مجمل بعد 2003، وقد صنفت محافظتي "الديوانية والسماوة" بأنهما الأكثر فقرا والأكثر سوءا من ناحية الخدمات ومستلزمات الحياة الطبيعية، والآن إذا ذهبت إلى هاتين المدينتين بعد 14 سنة من دخول الأمريكان إلى بغداد، تراجعت الآن وأصبحت الأكثر سوءًا، فما بالك بالمناطق التى اجتاحها "داعش".
ولفت الشريفي، إلى أن العراق اليوم به مدن تم تدميرها عن بكرة أبيها، فعندما تقف الآن أما "سنجار" والتي كانت عامرة بكل مقومات الحياة، الآن أصبحت أطلالاً وطال الهدم كل شيء، بمعنى أننا نقول اليوم أنه كانت هناك "سنجار"، وكذا بالنسبة لمدينة الرمادي والتي قال عنها وزير الدفاع السابق "عندما حررنا الرمادي، لم نجد شاخصاً لنرفع عليه العلم".
الصراع على المصالح
أما الدكتور قصي المعتصم، فأكد أن وجود بغداد كأسوأ مدينة يمكن العيش فيها في تلك القائمة تكرر خلال العامين الماضيين، فالعراق اليوم يفتقد للأمن نتيجة عدم تواجد الشرطة، وتحولت العراق وبالتالي بغداد إلى فريسة بالنسبة لأهلها، يتكالب عليها الجميع، يريد كل فرد الحصول على نصيبه منها.
وتابع قصي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، اليوم الخميس، أن عدم الخوف على العراق ومستقبله تسبب في هذا الدمار الذي نراه، فلا يمكن أن تجد بلد في العالم لديها جيش وفي الوقت نفسه لديها ميليشيات، حتى صار بالعراق اليوم أكثر من 15 مليشيا، فمن الطبيعي وسط هذا التنازع ألا يكون هناك اهتمام بالخدمات أو الإدارة وبالتالي كانت عاصمة بلاد الرافدين أسوأ مدينة في العالم يمكن العيش فيها؟