كانت تصريحات المرشح ترامب مثار جدل، ومرت الأسابيع والشهور وأصبح صاحب التصريحات الجدلية والمستفزة في بعض الأحيان هو أحد الفاعلين الرئيسيين في السياسة الدولية، وبدأت قراراته وتصريحاته الغريبة تلقى ردود فعل مؤيدة من البعض ورفض وجدل من الكثير من دول العالم وبخاصة في الشرق الأوسط والعالم العربي، وشيئاً فشيئاً بدأت تتضح الرؤية في السياسة الأمريكية التي تمثلت في الكثير من اللقاءات بقادة الدول وخصوصاً العربية، وخروج تصريحات تؤكد أن أمريكا تريد شرق أوسط جديد وكبير وربما على مقاس الإدارة الجديد في البيت الأبيض.
كان الدور الأمريكي في اليمن يقتصر على بعض الضربات لتنظيم "القاعدة" ما بين الحين والآخر، يعلن خلالها عن مقتل عدد من قيادات التنظيم كما يزعمون، وبعدها يتم اكتشاف مقتل العشرات من المدنيين نساء وأطفالا وهكذا، وخلال الأسابيع الماضية حدث تطور لافت للنظر في إعلان الخارجية الأمريكية بأنها ستلعب دورا رئيسيا لحل الأزمة في اليمن، جاءت تلك التصريحات بعد لقاءات أمريكية سعودية كان على رأسها لقاء الرئيس الأمريكي مع وزير الدفاع محمد بن سلمان، ولقاءات الجبير المتعددة بالخارجية الأمريكية وبدول الجوار…ما الذي يحدث؟
يرصد الكثير من المحللين تلك التغيرات بأنها جاءت بناء على طلب سعودي مباشر من واشنطن بضرورة إنقاذها من مستنقع اليمن، بعد أن طور صالح و"أنصار الله"، من قدراتهم العسكرية وخصوصاً في المجال الصاروخي، وأصبحت تلك القوة مثيرة للرعب داخل الأراضي السعودية بعد تأكيد إطلاق ما يقرب من 120 صاروخا باليستيا متعددة المدى باتجاه السعودية، وصل بعضها إلى مناطق في الرياض، وبدأ اليمنيون في صنعاء يلعبون على وتر حرب الاستنزاف وهو ما جعل الرياض تفقد أعصابها بعد دخول الحرب عامها الثالث دون تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
يبدو أن الخطة الأمريكية القادمة لإنقاذ السعودية من المستنقع اليمني هي تحويل اليمن إلى عراق جديد بتفكيك أوصاله ونشر الطائفية والعرقية والقبلية وتسليح الطوائف والقضاء على أي مظهر للقوة المنظمة على الأرض، وفي هذه الحالة سيتوقف طيران التحالف عن القصف المتوالي، ويقتصر الدور السعودي على تسليح المليشيات ضد بعضها البعض، وإخراج أي قوة إقليمية تعمل في اليمن والانفراد بالبلاد وإعادة تشكيلها من جديد وفقاً للنموذح الجديد.
كل الدلائل تشير إلى هذا السيناريو وبالأخص بعد تناثر معلومات عن قيام الولايات المتحدة وبعض حلفائها بتسهيل عمليات خروج للمئات من عناصر تنظيم "داعش" من العراق وسوريا، والأدهى من ذلك ورود أنباء عن نقلهم بالبحر إلى اليمن، تمهيداً لكشف تواجدهم في مرحلة لاحقة وبصورة مرعبة، بتصوير مشاهد ذبح أو حرق أو مقابر جماعية، لإيجاد مبرر ملموس على الأرض للتدخل المباشر.
ويرى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن السياسة الأمريكية دائماً تبحث عن مصالح أمريكا، وأن شكل التوجهات الخارجية الأمريكية لم يتضح حتى الآن، والزيارات واللقاءات التي تقوم بها وزارة الخارجية الأمريكية هى لاستكشاف المواقف للبناء عليها.
وأن تحولها باتجاة اليمن لا يمكن اعتباره دعما للسعودية بقدر ما يمثله من ضغط على إيران لجني مكاسب، والتهديد بالملف اليمني، وهذا بدوره يصب في صالح الرياض، التي تتخذ مواقف متشدده تجاة طهران، فالوضع متشابك ومعقد ولم تتضح معالم وشكل المرحلة القادمة حتى الآن.
وفي نفس السياق ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، الخميس 20 أبريل/ نيسان2017، أن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس، يدرس سلسلة من الدعم العسكري الإضافي لمعركة السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن المجاورة، أملًا في إجبار جماعة "أنصار الله" على الدخول في مفاوضات السلام.
لذا فإن الجزم بأن هناك سيناريو مؤكد في المرحلة القادمة في المنطقة هو نوع عدم المنطق، ومع مرور الوقت تزداد الأمور تعقيداً…ولكن ما يمكن التأكيد عليه، أن الحل العسكري غير وارد بنسبة كبيرة جداً في اليمن، وأن السياسة وتوازن القوى بين الشرق والغرب سيلعبان الدور الأكبر خلال الشهور القادمة، وقد لا ينتهي العام إلا وسيكون هناك حل.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)