كل هذه الاحتجاجات لم تخل من بيانات رافضة لوجود السوريين في لبنان، والذين دفعتهم الأزمة القائمة في بلادهم للجوء إلى لبنان هربا من الحرب المستعرة هناك.
إذ قامت مؤخرا إحدى البلديات الواقعة إلى الجنوب من بيروت بطرد كافة العمال وأصحاب المصالح السوريين من منطقتها، بحجة منافسة اليد العاملة اللبنانية وتحت ذريعة الخطر الأمني الذي يشكله هؤلاء، مستبدلة اليد العاملة السورية بأخرى مصرية ومن جنسيات مختلفة، كما كثّفت البلدية من دورياتها على مدار الساعة للتأكد من خلو المنطقة تماما من السوريين.
من جانب آخر، تشكلت صفحة على موقع الفيسبوك تحت اسم "اتحاد الشعب اللبناني"، بدأت ببث منشورات تدعو إلى مقاطعة المؤسسات لا سيما المطاعم التي تقوم بتوظيف عمال سوريين.
في المقابل خرجت تظاهرات في أكثر من منطقة لبنانية تطالب المسؤولين المعنيين بطرد السوريين من مناطقهم وإقفال المؤسسات التجارية التي يشغلونها، مع إصدار بيانات تحمل توقيع شباب المنطقة وتدعو إلى وجوب ترحيل السوريين إلى بلادهم، بعد أن اتهمتهم "بسرقة أرزاق اللبنانيين" و"نهب خيرات لبنان".
هذه الاحتجاجات تتفاقم يوما بعد آخر في لبنان، في وقت لم تصدر فيه وزارة العمل اللبنانية أي قرار رسمي يقضي بوقف العمالة السورية في لبنان، علما أن مصادر الوزارة تؤكد أنها اتخذت قرارا بضرورة تنظيم العمالة الأجنبية على كل الأراضي اللبنانية، والحد من منافسة العامل اللبناني، أو ما تصفه المنافسة غير المشروعة.
هذا القرار يجري تطبيقه بشكل مكثف خلال الفترة الأخيرة، لا سيما بعد تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من أن لبنان يقترب من حافة الانهيار بسبب ضغوط استضافة أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري.
اليوم أغلب المناطق اللبنانية بدأت بتضييق الخناق على السوريين سواء العاملين في المؤسسات اللبنانية أو الذين لديهم مصالح تجارية صغيرة، كمدينة طرابلس على سبيل المثال، التي قامت شرطة البلدية وقوى الأمن فيها مؤخرا بإقفال العديد من المتاجر التي تعود لسوريين بحجة أنها لا تستوفي الأوراق القانونية.
صحيح أن هذه الحملة المنظمة على العمالة السورية في لبنان قد تهدف إلى تنظيم العمالة الأجنبية بهدف خلق فرص عمل للبنانيين العاطلين عن العمل، لكنها في الوقت عينه ستزيد من أوضاع السوريين سوءا في لبنان، ما قد يدفعهم، بحسب مصدر أمني لـ"سبوتنيك"، إلى القيام بأعمال غير مشروعة في البلاد، لا سيما في حال وجد عشرات آلاف السوريين، الذين يعيلون أسرا لهم في لبنان، أنفسهم عاطلين عن العمل في ظل أوضاع معيشية صعبة يرزح تحت وطأتها أغلب السوريين في لبنان.
لا تخفي الحكومة اللبنانية أنها بصدد وضع خطة للتوفيق ما بين حماية اليد العاملة اللبنانية وخلق فرص عمل للنازحين السوريين، لكن المشكلة تقع بحسب خبراء اقتصاديين، في العدد الكبير للنازحين المقيمين في البلاد، وهو الأمر الذي قد يعرقل خطة الحكومة.
فضلا عن أن الدول المانحة لا تتوانى عن طرح شروط مستعصية أمام الحكومة اللبنانية لصرف الهبات المخصصة للبنان من أجل مساعدته في تحمل أعباء النازحين، ولعل من أبرز هذه الشروط ضرورة دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني وخلق فرص عمل لهم.
وهو الأمر الذي تعتبره بعض القوى السياسية المحلية شكلا من أشكال التوطين، لا سيما وأن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون واضح في هذه المسألة، ويقضي بضرورة تأمين أماكن آمنة في سوريا تسمح بإعادة مئات الآلاف من السوريين إلى وطنهم.
وأمام التباعد في وجهات النظر ما بين المجتمع الدولي والدولة اللبنانية، يبقى ملف النازحين السوريين جرحا مفتوحا لن يندمل إلا بإيجاد حل مشترك ما بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية وكذلك
مجموعة الدعم الدولية، يقوم على حماية اليد العاملة اللبنانية من ناحية، ويوفر مستلزمات العيش الكريم للنازحين السوريين سواء في لبنان أو خارجه.
تقرير/ زهراء الأمير