وتعد قبيلة "الفور" من أكبر القبائل التي تستوطن الإقليم، وهي قبيلة ذات إرث وتاريخ ضارب في القدم وقامت فيها العديد من الممالك والسلطنات آخرها مملكة إسلامية عظيمة تسمى "سلطنة الفور"، تزامنت مع سلطنة "الفونج" في الجزء الشرقي من السودان، وقد حكم سلطنة الفور عدد من السلاطين العظماء، أبرزهم السلطان، علي دينار، والذي أفرز له تاريخ السودان، مساحة كبيرة، نسبةً لأفضاله وأعماله العديدة.
حاكورة جاه
ويقول الصحفي والباحث في التراث الدارفوري، عبد الله آدم خاطر، في حديث لـ"سبوتنيك"، إن قبيلة الفور، عرف عنها "الانفتاح على كافة القبائل الموجودة في السودان وخارجها، فحدثت بالتالي، علاقات مصاهرة ورحم بينهم، لذا نجد أن هناك الكثيرين متشربين بثقافة الفور، ولكنهم ليسوا فوراويين، نتيجة هذا التداخل الثقافي، مما يمكننا من القول، إن دارفور هي إفريقيا المصغرة".
ويضيف خاطر، أن من أبرز المجموعات التي تداخلت مع الفور، "هم العرب والذين أدخلوا الإسلام إلى المنطقة، فأصبح السكان بعد ذلك كلهم مسلمين، وبالتالي أهتم سلاطين الفور بالإسلام كثيراً، وعرف عنهم رعايتهم للعلماء وجاؤوا بهم من كافة الأنحاء، مما أحدث حركة علمية واسعة في الإقليم، مشيراً، إلى أن السلاطين كانوا يمنحون المشايخ، أراضٍ زراعية كبيرة تسمى (حاكورة جاه)، ويعود ريعها للمشايخ ليصرفوا منها على طلاب العلم وشؤون الدعوة".
ويذهب خاطر، إلى أن هؤلاء المشايخ لهم نفوذ كبير في المجتمع الدارفوري، لتأثيرهم الروحي، مما يجعل سلطتهم مثل سلطة الحاكم، بل في أحيانٍ تفوقه، لذلك نجد المجتمع في دارفور، يهتم كثيراً بالعلماء ويرعى طلاب العلم وحفظة القرآن الكريم ويمنحهم امتيازات رفيعة في المجتمع، بل يزوجونهم أجمل الفتيات في القبيلة، وهذا الأمر جعل من سلطان الفور، رجل علم ودين، ويعيش حياته، وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية ويعمل على خدمة الإسلام.
وعُرف السلطان تيراب (أحد سلاطين الفور)، ببنائه ٩٩ مسجداً، وكذلك السلطان عبد الرحمن الرشيد، اشتهر باهتمامه الكبير بالعلماء واستقدامهم من الدول الأخرى، بل جعلهم مستشاريه في الدولة، ولعل السلطان علي دينار، يعتبر من أشهر سلاطين الفور، والذي كان يرسل ما يسمى بـ"محمل"، تعني (قافلة محملة بالمؤن والهدايا)، إلى الأزهر الشريف والأراضي المقدسة بالحجاز (السعودية حالياً)، ويكسو الكعبة المشرفة سنوياً بكسوة حريرية تجلب من تركيا، وتحاك في مصر، كما أنشأ، علي دينار، رواق دارفور بالأزهر، والذي كان يدرس فيه طلاب العلم من السودان.
ويختم خاطر، بأن الفور، يحتفون احتفاءً كبيراً، بحافظ القرآن الكريم في مجتمعهم حيث يقيمون له الاحتفالات في كل مرحلة من مراحل حفظ القرآن الكريم، وعند إكمال حفظه للقرآن الكريم، يقام له مجلس علمي أشبه بمجلس منح درجة الدكتوراه في الجامعات، وتقام له الاحتفالات التي يذبحون فيها مجموعة من الثيران ويطلق عليه لقب (سيدنا)، ويمنح أرضاً زراعية، يأتي أفراد القبيلة ليزرعونها له، بما فيهم الحاكم إكراماً له، كما يعقد السلطان كل عام مؤتمراً لحفظة القرآن الكريم، للتبرك بهم والدعاء للبلد.
مبادئ الفور
وتقوم منظومة الاجتماعية عند الفور، على حزمة من القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية، التي تتوافق مع الطبيعة البشرية، وهذه القيم تضمنها قانون (دالي)، الذي ينظم الحياة عند الفور، وهو أول قانون عرفه الفور. ويرجح عبد الشافع عيسى، وهو أحد رجال الإدارة الأهلية والباحث في تراث الفور، أن القانون وضع قبل العصر المسيحي، وسمي القانون بهذا الاسم على واضعه آنذاك، السلطان، دالي، إلا أن أقوالاً أخرى تشير، إلى أن أسمه يعني (الشفرة)، بمعنى أن أي شخص يرتكب خطأً سيقطعه هذا القانون مثل الشفرة.
ويوضح عيسى "هذا القانون قد أصبح العرف الرسمي السائد عند الفور، وذلك بعد أن أدخلت عليه تعديلات، تتماشى مع الدين الإسلامي بعد دخوله إلى المنطقة، وذلك في عهد السلطان، إبراهيم الدليل، ١٥٥١م ".
ويضيف أنه، وبرغم أن قانون دالي، لم يكن مكتوباً إلا أن كل بنوده تحفظ عن ظهر القلوب، ويحوي هذا القانون مواد تنظم الحياة عند الفور، بشكل دقيق ومشدد بما يضمن العدالة والأمن والسلام بين الأفراد والقبائل، ويقوم معيار الغرامات والديات في هذا القانون على البقر في عمومه لأن للأبقار قيمة مادية واجتماعية كبيرة عند الفور.
ويواصل عيسى، حديثه قائلاً، إن الفور يهتمون عموماً بالفأل الحسن، ويتمثل هذا الأمر في كل مظاهر مناسباتهم العديدة، ويعد اللَبن رمزاً لهذا العرف، إذ نجده حاضراً في كل مناسباتهم الاجتماعية، حيث يرشونه على المولود الجديد وكذا العرسان، ومن مظاهر هذا الفأل أيضاً إن الفور، يسمون مواليدهم من الذكور في العادة بأسماء الأنبياء والإناث بالأسماء الإسلامية عموماً، حيث لكل يوم من أيام الأسبوع اسم معين يسمون به المولود الذي ولد فيه، ويضيف، أن كل المناسبات تتم فيها قراءة القرآن الكريم التماساً للبركة والحفظ، ويرتبط توقيت المناسبات الاجتماعية في العادة بانتهاء موسم الحصاد.
فنون وزواج
ويشير عيسى، إلى أن الفور يهتمون بالفنون كثيراً كالغناء والرقص والشعر فهي حاضرة في كل المناسبات، ومن أشهر رقصات الفور "الفرنقبية "، ورقصة "الكسوك"، وهي خاصة بالشباب و "والديدبيس"، وي لكبار السن وجلسة "داللينقا"، وهي جلسة شعرية تصاحبها الزغاريد وتختم بالغناء، وهذه الرقصات تصاحبها ضربات النقارة"، وهو طبل صاخب خاص بالفور.
وأوضح عيسى، أن الفور، عموماً يزوجون أبناءهم في سن مبكرة إلى حد ما؛ فالذكور في سن الثامنة عشرة بينما الإناث في الخامسة عشرة تقريباً، وتجد العروس اهتماماً بالغاً في مجتمع الفور، وتكون محط اهتمام الأسرتين وتقدم لها الهدايا ومهرها يكون من الأبقار، ومن الأشياء المهمة في مجتمع الفور، أن تقدم أم العريس (المحاية) للعروس وهي ماء مبارك تشربه العروس وكذلك (الحجبات) وهي أوراق مكتوب فيها آيات من القرآن الكريم تعلقها العروس على عنقها لحفظها من الشرور والعين والحسد.
واختتم عيسى، الحديث، بأن الغناء عند الفور يتمثل في مدح أسرتي العروسين وذم الأفراد الذين يخالفون أعراف وتقاليد القبيلة، لذلك فإن مجالس الغناء تكون بمثابة محاكم مجتمعية.
دراسة: 423 معتوها بسبب الحرب في ولاية #جنوب_دارفورhttps://t.co/q2oe0XsszV pic.twitter.com/anlTiveU2k
— سودان تربيون (@SudanTribune_AR) April 29, 2017
عصر الحرب
والمعلوم أن الإقليم شهد في الفترة الأخيرة، نزاعات مسلحة نتيجة حروب أهلية وسياسية، وقد تأثرت كل قبائل الإقليم بهذه الحرب، إلا أن قبيلة الفور كانت من أكثر القبائل تأثراً بهذه النزاعات فتشرد العديد من السكان عن قراهم ونزحوا إلى معسكرات أقامتها الأمم المتحدة لإيوائهم، وهذا الوضع قد غير كثيراً من طبيعة المنطقة وأحدث حالة من عدم استقرار في العديد من مناطق الإقليم بعد أن كان الفور مستقرين في قراهم، حيث عرفوا بأنهم قبائل تمتهن حرفة الزراعة.
ويرى الباحث بمركز الراصد للدراسات الاستراتيجية، الفاتح عثمان محجوب، أن للفور دور مهم في حل قضية الإقليم وإعادة الاستقرار للمنطقة، مضيفاً، أن هذا الدور يتمثل في محورين؛ الأول في إقناع أطراف النزاع بالجلوس في مائدة الحوار لبحث المشكلة وحلها بالوسائل السلمية، والمحور الثاني في حث المواطنين الموجودين في المعسكرات على الرجوع إلى قراهم في المناطق التي عاد إليها الاستقرار ليعمروها وتعود الحياة إلى ما كانت عليه.
ويؤكد محجوب، أن الفور بقياداتهم وزعاماتهم الأهلية ومشايخ الطرق الصوفية المنتشرة في الإقليم قادرون على التأثير الإيجابي على المواطنين لما لهم من نفوذ روحي وقبول، ويختم الفاتح إلى أن الذين يريدون استمرار الحرب في الإقليم سعوا إلى القضاء على الزعامات الأهلية والدينية عند الفور وتقليص نفوذهم.