وعرض أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، ساري حنفي، خلاصة دراسة أجراها فريق يقوده من الباحثين الميدانيين على عينة من اللاجئين السوريين في مخيمات لبنانية.
وخلصت الدراسة إلى معطيات تشير إلى تردي الأوضاع الحياتية للنازحين السوريين بشكل متفاقم.
ولفت حنفي إلى أن نصف اللاجئين السوريين في لبنان أتوا من محافظة حمص، فيما الثلث من دمشق ومحيطها، لافتاً إلى أن 43 بالمئة من هؤلاء يقيمون في لبنان بطريقة غير قانونية، معيداً السبب في ذلك إلى عدم تمكنهم من إيجاد "كفيل" (أحد الشروط التي تفرضها السلطات اللبنانية للحصول على إقامة في البلاد)، أو الخوف من الذهاب إلى دوائر الأمن العام.
وأشار حنفي إلى أن البحث الميداني يظهر أن أوليات الاحتياجات الأساسية للاجئين تتدرج من الطعام، ثم الصحة، فمصادر الطاقة والمياه، ثم الملبس.
ولفت حنفي إلى أن غالبية اللاجئين السوريين في لبنان يرغبون في الهجرة الى خارج هذا البلد، لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، أو لأسباب عائلية.
وأضاف أن اللاجئين السوريين في لبنان يمثلون فئة فتيّة، إذ أن 54 في المئة منهم تحت سن العشرين، 18 بالمئة منهم ولدوا بعد الأزمة السورية.
وحول الوضع العائلي للنازحين، أشار حنفي إلى أن نصفهم عازب، فيما 46 بالمئة متزوجون، فيما تتوزع أقلية بين مطلقين وأرامل، متحدثاً عن مشكلة اجتماعية خطيرة في هذا الإطار تتمثل في الزواج المبكر (29 بالمئة).
وتحدث حنفي عن وضع التعليم للاجئين السوريين، إذ كشف عن ارتفاع كبير في معدل التسرب المدرسي، وذلك لأسباب عدة، منها طبيعة المناطق التي أتوا منها (أرياف)، أو عدم تمكنهم من التأقلم مع المناهج التعليمية.
وبحسب الأرقام التي عرضها حنفي، فإن ثلث اللاجئين السوريين في المخيمات هم دون المستوى الابتدائي في التعليم، فيما خمسة بالمئة أنهوا تعليمهم الثانوي، لافتاً إلى أن ثلثي التلاميذ السوريين في صفوف اللاجئين تركوا المدرسة، وحين تم سؤالهم عن السبب تراوحت الإجابة بين "عدم الرغبة في التعليم" والحاجة إلى العمل، والزواج، والصعوبات التعليمية.
وحول الأوضاع الاجتماعية، أظهر البحث الميداني أن 80 في المئة من السوريين يعملون في مجالات حرفية أو دون إدارية، وأن ربعهم يتلقى راتباً ثابتاً، بينما الباقون يتقاضون بدل عمل غير ثابت متوسطه 145 دولاراً.
من جهته، كشف مسؤول العلاقات العامة في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ريان قطيش، عن معطيات إحصائية بناءً على دراسات قامت بها المفوضية، بالتعاون مع "برنامج الغذاء العالمي" ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف".
وحذر من أن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان تزداد صعوبة، حيث ارتفعت نسبة من هم دون خط الفقر والفقر المدقع من 49 و29 بالمئة على التوالي في العام 2014، إلى 71 و53 في المئة على التوالي حالياً.
ولفت قطيش إلى أن شخصاً واحداً فقط من كل أسرة قادر على العمل، وأن 45 بالمئة منهم يعملون لعشرة أيام أو ما دون في الشهر، فيما معدل الأجور لللاجئين السوريين فتراوح بين 115 دولاراً للإناث، و215 للذكور شهرياً.
وأشار قطيش إلى وجود فارق كبير بين الاستهلاك والدخل يتراوح بين 60 دولاراً للذكور و104 دولارات للإناث، ما يجعل كل أسرة مدينة 842 دولاراً شهرياً.
وفي ما يتعلق بالأمن الغذائي، لفت قطيش إلى أن 85 بالمئة من الأسر السورية النازحة خفضت إنفاقها على الغذاء، وأن 76 بالمئة من غذائها يشترى بالدين.
وفي ما يتعلق بالمأوى، لفت قطيش إلى أن 55 بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون في أماكن خطيرة وغير لائقة، فيما المساحة المخصصة للفرد هي أقل من 4.5 أمتار مربعة، في حين يبلغ معدل الإيجارات 189 دولاراً شهرياً.
من جهته قال مدير عام "اتحاد الجمعيات الإغاثية" حسام الغالي إن "الحديث يدور عن مؤشرات مرعبة، وخطيرة للغاية، خصوصاً لجهة معدلات الفقر في صفوف النازحين، ومتوسط أجورهم وهو أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان".
وحذر الغالي من أن هذا الأمر يعني أنه "لا يوجد أمام اللاجئ سوى خيار من اثنين: إما الثورة أو الانتحار"، مشيراً إلى أنه "في حال بقي الوضع على حاله، فسيتحول اللاجئون إلى التطرف والإرهاب، وهذا ما نسمعه من قبل الكثيرين منهم".
وأقر المشاركون في جلسات النقاش بأن لبنان يتحمل أعباء كبيرة في ملف النازحين، بالنظر إلى عددهم المرتفع جداً مقارنة بعدد سكان هذا البلد، وأيضاً بسبب إمكاناته المحدودة للغاية على المستوى الاقتصادي".
وقال الشيخ عباس الجوهري، من "مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية"، إنه "ينبغي العمل على ضرورة تأمين عودة اللاجئين إلى أرضهم معززين مكرمين"، مقترحاً في هذا الإطار مساعدة من المجتمع الدولي بهدف "تأمين الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي
في مناطق محددة" سواء تحت سيطرة النظام السوري أو تحت سيطرة ما أسماه "الثورة السورية"، في إشارة إلى المعارضة السورية.
أما الرئيس السابق لـ "لجنة الحوار اللبناني — الفلسطيني"، خلدون الشريف، فرأى أن "المشكلة في لبنان منذ لحظة اللجوء الفلسطيني قبل عقود أن هذا الملف يتم التعامل معه من زاوية أمنية فحسب".
ولكنه أشار إلى أن ثمة تعاطي مختلف ينبغي أن يكون في الملف السوري، لأنه مختلف عن ملف اللجوء الفلسطيني، لأن "الأرض السورية ما زالت موجودة"، ما يعني أن إمكانية العودة متاحة أكثر من الحالة الفلسطينية، وبالنظر إلى الفارق الزمني بين الأزمتين.
أما ممثل السفارة الفلسطينية في لبنان جهاد البراق، فشدد على أن "حق اللجوء إنساني وليس سياسياً"، مشيراً إلى أن الحديث يدور عن "حالة استثنائية" تتطلب بذل جهود مشتركة بين المجتمع الدولي والبلد المضيف.
يذكر أن لبنان واحدة من أكثر الدول التي نزحت إليها عائلات سورية على خلفية الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من ست سنوات بين القوات النظامية ومجموعات إرهابية مسلحة أودت بحياة أكثر من 300 ألف فضلاً عن ملايين النازحين داخل سوريا وخارجها.
وبحسب بيان صدر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية، عقب لقاء الرئيس ميشال عون والمدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي، الأربعاء الماضي، فإن لبنان يستضيف مليون ونصف المليون نازح سوري.