تتوزع مخيمات اللجوء السورية إلى عدد محدود من المخيمات النموذجية المنظمة والعدد الأكبر منها مخيمات غير منظمة ومتناثرة.
وتحوي عرسال في البقاع اللبناني على التجمعات السورية الأكبر والتي تشتهر أيضاً بسمعة أمنية غير حميدة.
أمّا المخيمات النموذجية فتتوزع بشكل أساسي في البقاع الأوسط اللبناني، وكان لـ"سبوتنيك" الفرصة في زيارتها من خلال جولة نظمها اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان URDA (الإغاثية) والتي تعمل على تشغيل/تمويل عمل هذه المخيمات.
مجمع عرمون السكني أو سكن 5 نجوم لقلة قليلة
بداية زيارتنا كانت إلى مجمع سكني وهو عبارة عن عمارة كانت قيد البناء في منطقة عرمون في ضواحي بيروت الجنوبية، جرى تحويلها إلى مبنى سكني للاجئين، وعن كيفية اختيار قاطنيه، يقول أحد المشرفين على المجمع "نختار من اللاجئين الفئات الأكثر تهميشاً، يعني الأيتام والأرامل والمسنين والمعوقين".
ويستوعب المبنى على حوالي 200 شخصاً، هم عبارة عن 40 عائلة بنسبة 4 ـ 5 فرد بالعائلة. المبنى يحتوي أيضاً على مصادر للتمويل الذاتي عبارة عن فرن ومطبخ خيري، يعمل فيه عدد من السيدات والرجال، ويوفر ليس فقط جزءا من القوت للساكنين بل أيضاً يبيع منتجاته إلى القرى المحيطة.
ويضم المبنى إلى ذلك، معمل درز وخياطة، صف تدريس لغات، صفوف رياضة بدنية ونفسية، وهو المجمع السكني (بناء) الوحيد للاجئين السوريين.
مخيم "البراعم" تعلبايا
محطتنا التالية كانت في البقاع الأوسط الذي يحتضن ربما القسم الأكبر من اللاجئين بسبب قربه من الحدود السورية. وكانت محطتنا الأولى في تعلبايا وهي قرية جميلة في البقاع تتكون مجملاً من الأراضي الزراعية. وفي إحدى أنحاء هذه الأراضي يوجد مخيم للاجئين السوريين، ويدعى مخيم "البراعم"، وهو أول مخيم جرى تنظيمه بعد موجة اللاجئين، ومصنّف عند هيئة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين تحت رقم (001).
ويضم المخيم ١٣٥ عائلة بنسبة ٤,٥ فرد بالعائلة، أي حوالي 600 شخص بالمجموع، ويدير المخيم الشيخ خالد شاهين، ويجري تشغيله (تمويله) من أطراف متعددة، منها لسنتين من السنوات الخمس الأخيرة من قبل "قطر الخيرية"، واليوم تقوم الإغاثية بتمويل وتشغيله.
وقال بعض اللاجئين لسبوتنيك، أنّهم في المخيم منذ أربع سنوات ومنهم من أكثر من ذلك، جزء كبير من اللاجئين تهجروا من الغوطة والمعضمية وهي مناطق عرفت بضراوة القتال فيها. وتقول أحد السيدات أن إخوتها ما زالوا في سوريا ولكنهم نزحوا إلى مناطق أخرى في سوريا أكثر أماناً. ويحتوي المخيم على مدرسة أقيمت على أرض ملعب كشفي كان موجوداً هناك وتضم حوالي 300 تلميذ يدرسون فيها للصف السابع بحسب المنهج السوري. كما يستقبل مرة في الشهر على الأقل عيادة نقالة مقدمة من أحد الجمعيات الخيرية، ويكلف تشغيلها 1500$ في اليوم الذي تقوم به بزيارة ميدانية، تشكل الأدوية المجانية الكلفة الأكبر منها.
مخيم "العودة" النموذجي
"هذا مخيم طراز 5 نجوم"، هكذا يقول أحد مسؤولي جمعية الإغاثية حين يصف مخيم "العودة" للاجئين السوريين في برّ إلياس في البقاع اللبناني. وبالفعل مقارنة مع المخيمات الأخرى فإن العائلات تعيش في خيم منفصلة، تكون دورات المياه جزءاً منها.
ويقول أحد مسؤولي الإغاثية، الجمعية التي تدير هذا المخيم، بأنّه الأكبر في لبنان، كمخيم مستقل، مساحته 30 ألف متر مربع، ويعيش فيه 360 عائلة أي حوالي 1400 لاجئ، وهو مراقب بالكاميرات على مدار الساعة، كما يجاوره مخيم "الياسمين" الذي يستقبل الآن 105 عائلات (حوالي 500 شخص) ومن المفترض أن تصل حدود القصوى لاستيعابه إلى 360 عائلة.
أمّا أهم ما يقدمه مخيم "العودة" هو القسم الطبي، الذي يشبه تقريباً مستشفى صغير، يحوي على العيادات الطبية بأغلب أنواعها، تشغلها جمعيات دولية مختلفة بما فيها أطباء بلا حدود، ويعمل في أغلبها أطباء سوريين.
كما يحتوي المخيم على مطحنة وفرن يعمل فيها اللاجئون، ويصرف الإنتاج لكامل المخيم والمخيمات المحيطة. فيما تقوم مراكز تمكين المرأة بتدريب النساء على الأشغال اليدوية وعلى الخياطة وغيرها من الحرف البسطية. كما يوجد في المخيم مدرسة للأطفال. ويضم هذا المخيم أيضاً سوقاً عبارة عن ساحة يحيطها حوالي عشرة محلات تجارية وتسمى بـ"أسواق الخير".
وتعطى هذه المحلات إلى المرشح الأكثر تناسباً مع معايير الاختيار، أي أن يكون صاحب حرفة وصاحب قدرة على تحقيق حركة تجارية لبضائعه. وهذا الخيار تقوم به جمعية الإغاثية التي تدرس كآفة الخيارات المناسبة.
التقينا في المخيم ليمار فتاة في الخامسة من عمرها، ذات الشعر الأشقر جميلة وبشوشة، لا تدري ماذا تريد أن تصبح في المستقبل لكنها لا تريد أن تبقى في المخيم طوال عمرها، لا تريد أن تكون أسيرة هذه المساحة الضيقة التي لا تكفي لإشباع أحلامها أو حتّى طفولتها. صديقتها سميرة (11 سنة) هي بالأصل فلسطينية من مخيم "اليرموك" بضواحي دمشق هربت مع أهلها من ويلات الحرب الذي هجّر أهالي الشام، لتنتهي بهم رحلتهم لاجئون مرّة أخرى لكن هنا في لبنان.
ليمار وسميرة هما فقط عينة صغيرة من آلاف الأطفال الذين يعيشون في هذه المخيمات، حياة لا يستحقها هؤلاء الأطفال الذين حرموا ويحرمون من طفولتهم على الأقل أو من أهاليهم أو أحد أهاليهم. مأساة يعيشها الشعب السوري يمكن أن يرى المرء في عينهم كم يريدون لها أن تنتهي ليستعدوا بعضاً من حياتهم في وطنهم.