ولننظر إلى الخريطة العالمية منذ مساء أمس، أي بعد ساعات قليلة من صدور التوصيات النهائية لمؤتمر الرياض، نجد بالأمس تدخلاً أمريكياً في اليمن، وفي المقابل تفجيراً في حفل بمدينة مانشستر البريطانية، يعقبه إعلان الطوارئ في السويد بعد بلاغات عن وجود قنابل، وفي الوقت نفسه يحدث تفجير في حمص وتفجير آخر في حلب، ونجاة مدنيين على طريق مطار دمشق من شاحنة مفخخة كانت على وشك إحداث كارثة كبرى.
أي أن الاتفاقات على التسليح، واتخاذ القرار – بدون تنفيذ – دفع الإرهابيين إلى توجيه رسالة استباقية إلى الدول التي تحالفت ضدهم، وبين اتفاق دولي من جهة، وتآمر الإرهاب على العالم من جهة أخرى، لا يدفع الثمن إلا الأبرياء، ممن لا ناقة لهم ولا جمل في حرب ضد فئة أو دولة أو جماعة، ويدفعون ثمن أمور لا يسمعون عنها إلا في التلفاز، إذا اهتموا بالسماع من الأساس.
لا ذنب على الإطلاق لمواطن سوري، أجبرته الظروف على أن يحيا وسط النيران، ويكافح من أجل استمرار حياته وحياة من يتعلقون برقبته، أن يدفع ثمن كفاحه من دمه، فيموت وهو يبحث عن رزق، لم يقدر له أن يجده أبدا. ولا ذنب أيضاً لشاب أو فتاة خرج من بيته ليجد بعضاً من المرح على أنغام موسيقى مطربة، ليجد نفسه مفترشاً الأرض وسط دمائه، ولا يدري هل تبقى روحه في جسده أم تعود لخالقها.
ولكن الذنب هنا يقع على عاتق – واسمحوا لي أن أستعير من خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأخير – كل من دعم ومول الإرهابيين، وكل من خلق لهم تنظيماً وأسسه، ووفر لهم المأوى، ووفر لهم الدعم والغطاء السياسي – والعسكري في بعض الأحيان – مثل تركيا، التي ثبت أنها سمحت في مارس/ آذار 2016 بعبور 100 مسلح من "جبهة النصرة" يحملون غاز الخردل السام، وكذلك قطر التي تأوي قيادات الجماعات الإسلامية، وإسرائيل التي عالجت الدواعش وأعادتهم لميادين القتال في سوريا.
في حوار أجريته مع النائب المصري محمود بدر، قال، إن ما تقوم به كل من تركيا وقطر، يتعارض مع مصالح العالم كله، الذي بات مهدداً بشدة بخطر الإرهاب، بعدما طالت العمليات الإرهابية دول أوروبا وأمريكا بالإضافة إلى محاولة التنظيمات الإرهابية السيطرة على مقاليد الحكم في عدد من الدول الأخرى، وكذلك الحرب الضروس التي تخوضها بعض الدول في سوريا والعراق لإخراج الإرهابيين منها.
وأردف عضو ائتلاف "دعم مصر" داخل البرلمان المصري أن قطر وتركيا تمولان وتدربان الإرهابيين وتوفران الملاذات الآمنة لعملية إحلال وتجديد الشبكات الإرهابية، وتساعدان الدواعش في بيع البترول والأثار وتهريبها، وإسرائيل هي التي قامت بعلاج جرحى "داعش" عشرات المرات في مستشفيات بالجولان وتل أبيب.
التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو: لماذا بريطانيا؟
ويمكن حصر الإجابة في سببين كلاهما أهم من الآخر، أولهما أن تنظيم "داعش" الإرهابي يبحث الآن عن ميادين قتال جديدة يخوض فيها معاركه، حتى وإن كانت مجرد تفجيرات وليست حروباً منظمة ضد كيانات عسكرية كبرى، كما هو الحال حالياً في سوريا والعراق وليبيا وسيناء المصرية، لأن هذا الفتح الجديد يوفر له عنصرين هامين، وهما: أولا نشر مزيد من الفوضى التي يتغذى عليها التنظيم في توفير التمويل لنفسه، وثانياً توجيه بوصلة الاهتمام الدولي عن الهزائم التي يعانيها التنظيم في منطقة الشرق الأوسط.
أما السبب الثاني، فهو تورط بريطانيا وحكومتها منذ البداية في توفير المأوى لبعض العناصر الإرهابية الهاربة من بعض دول العالم، مثل قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، الذين فروا إلى العاصمة البريطانية لندن منذ عدة سنوات وما زالوا هناك حتى الآن، لدرجة أن الجماعة عندما حاولت اختيار مرشد عام جديد لها، اشترطت أن تختار قيادياً يعيش في مكان آمن، فوقع الاختيار على القيادي الإخوان المقيم في لندن، جمعة أمين.
إذن نحن أمام مجموعة من العوامل أدت لاختيار بريطانيا كوجهة جديدة لتفجيرات الإرهابيين، منها رغبة "داعش" في إنكار هزيمته بالشرق الأوسط، وتورط بريطانيا في إخفاء عناصر مطلوبة دولياً، ولكن الأهم هنا هو "التحدي"…نعم…إن "داعش" يتحدى العالم، الذي تحاول أمريكا أن تقوده، فما أن يتفق الرئيس الأمريكي مع ملك السعودية على محاربة الإرهاب، وتدفع المملكة تمويلاً ضخماً لذلك، حتى يضرب "داعش" ضربة جديدة غير متوقعة، في مكان جديد غير متوقع، وبأسلوب جديد أيضاً غير متوقع.
ولكن، هل ينجح العالم في كبح جماح الدواعش والتصدي لمحاولاتهم اتخاذ وجهات وملاعب جديدة؟؟ أم سيكتفي بدور المتفرج المتفاجئ؟
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)