وقام التنظيم بتلغيم المسجد ومئذنته التي يبلغ عمرها 850 عاما بالمتفجرات ونسفهما الأسبوع الماضي مع تقدم القوات العراقية حتى أصبحت على بعد خطوات من المسجد.
وأكدت زيارة قامت بها "رويترز" للموقع يوم الجمعة، وذلك بعد يوم واحد من استعادة الجيش العراقي للمكان، حجم الدمار الذي لحق به حيث أصبحت المنارة الحدباء التي يبلغ ارتفاعها 45 مترا مثل شجرة مقطوعة الجذع في حين لم يتبق من المسجد سوى قبته الخضراء.
واحتدم القتال على بعد بضع بنايات ودوى أزيز الرصاص أمام البوابة الرئيسية التي لم تلحق بها أضرار كبيرة وسقطت قذيفة مورتر على مبنى مجاور.
وتحت قبة المسجد ألقى زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي خطبة إحدى الجمع في يوليو تموز 2014 أعلن فيها نفسه أميرا على "دولة خلافة" في الأراضي التي كان التنظيم قد استولى عليها للتو في العراق وسوريا المجاورة. وخلال أشهر شن التنظيم الإرهابي هجمات أو أوعز بتنفيذها في أماكن بعيدة مثل باريس ولندن وكاليفورنيا. وسرعان ما تشكل تحالف عسكري دولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة التنظيم.
وبعد ثلاث سنوات تحول المنبر الذي ألقى البغدادي من فوقه خطبته إلى ركام. وغطت حجارة وخرسانة أرضية المسجد وكان جزء من مئذنة ثانوية هو الوحيد الذي يمكن تمييزه وسط الأنقاض. وحال خطر وجود قذائف لم تنفجر أو ألغام دون تفقد الجزء الداخلي من الموقع بالكامل.
ومثل ظهور البغدادي في مسجد النوري أول مرة يقدم فيها نفسه للعالم كما أن اللقطات المصورة التي بُثت في ذلك الوقت هي التسجيل المصور الوحيد لزعيم "داعش" حتى يومنا هذا.
وقالت مصادر عسكرية أمريكية وعراقية إنه ترك منذ فترة طويلة مهمة القتال في الموصل وفي الرقة بسوريا للقادة المحليين ومن المعتقد أنه يختبئ في منطقة الحدود بين البلدين. وكثيرا ما أشارت تقارير إلى مقتله ومن بينها تقارير وردت الشهر الماضي من روسيا وإيران.
وبعد خطبته في 2014 نزل البغدادي من على المنبر ليؤم أنصاره في الصلاة من محراب يصعب الآن تحديد ملامحه وسط الأنقاض.
وبدأ أيضا مشروع البغدادي في التداعي وهو إحياء الخلافة الإسلامية التي انتهت بسقوط الدولة العثمانية في أوائل القرن العشرين.
ومازال تنظيم "داعش" يسيطر على منطقة تشير بعض التقديرات إلى أنها تعادل مساحة بلجيكا. ولكن خبراء يقولون إن الأراضي التي فقدها التنظيم تقوض شرعيته وقدرته على جذب أعضاء جدد بعد أن كانوا يتدفقون بالآلاف على التنظيم من شتى أنحاء العالم.
وأُطلق على المسجد اسم النوري نسبة إلى نور الدين الزنكي، الذي خاض معارك في الحملات الصليبية الأولى من إمارة تغطي مساحات من الأرض فيما أصبحت الآن تركيا وسوريا والعراق. وشيد المسجد في عامي 1172 و1173 قبيل وفاته وكان يضم مدرسة دينية.
عندما زار الرحالة ابن بطوطة المدينة بعد ذلك بنحو قرنين من الزمان كانت المئذنة التي يبلغ ارتفاعها 45 مترا قد بدأت تميل بالفعل. واشتهرت المئذنة باسم الحدباء بسبب ميلها.
ويجسد تاريخ المسجد العسكري والديني روح الموصل وهي مدينة تقطنها أطياف شتى ولكن يغلب على سكانها السنة وزودت القوات المسلحة العراقية بالضباط في معظم القرن العشرين. وبنيت المئذنة بسبعة خطوط من الطابوق (الطوب) المزخرف بأشكال هندسية معقدة تصعد نحو القمة بتصميمات كان لها وجود أيضا في بلاد فارس وآسيا الوسطى.
ولا يظهر من هذا التصميم سوى بقايا بسيطة بين الأنقاض. ودمرت المعركة الدائرة منذ ثمانية أشهر بدعم من الولايات المتحدة للسيطرة على الموصل منازل والبنية الأساسية في أجزاء مختلفة من المدينة وشردت نحو مليون من سكانها. وهرع المدنيون ومعظمهم من النساء والأطفال أمام المسجد المدمر أثناء عبورهم خط المواجهة صوب القوات العراقية. وكانوا يعانون من العطش والإرهاق وكان بعضهم مصابا.
وعلى الجانب الآخر من الشارع وضمن بقايا الحرب كانت هناك أشلاء مقاتل من تنظيم "داعش".