في العام 1990، تم توقيع اتفاق الوحدة بين صنعاء وعدن وفقاً لتصورات قومية، ومواكبة التغيرات الدولية وموازين القوى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تمر سنوات طويلة على تلك الوحدة حتى اندلعت الخلافات بين الدولة الاتحادية ونشطاء جنوبيين كانوا يرون أن حكومة صنعاء تريد إنهاء أي مقومات للدولة في الجنوب.
في العام 1994، اجتاحت قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح الجنوب، وتصاعدت التوترات وهاجر السياسيون، وتمخضت تلك التحركات عن ميلاد ما أطلق عليه "الحراك الجنوبي"، وفي العام 2007، حدثت تظاهرات كبيرة واستمر الحراك حتى العام 2011.
بدأ الجنوب مرحلة جديدة من العام 2011 حتى العام 2014، والذي أجري فيه مؤتمر الحوار الوطني، ووجد الجنوبيون أنفسهم يجلسون للتفاوض حول مصيرهم القادم، لم تمر شهور طويلة حتى نشبت الخلافات بين "أنصار الله" وحكومة الرئيس هادي وتم حصار القصر الجمهوري، وقدم هادي استقالته وغادر صنعاء، ثم تراجع عنها بمساندة دول الخليج.
تقدم "أنصار الله" وقوات صالح التابعين للمؤتمر، وبسرعة تم فتح أبواب القواعد العسكرية ومخازن سلاح الدولة اليمنية أمامهم، وتنبهت السعودية والإمارات إلى خطورة الوضع في صنعاء على أمنهم القومي، وطلب الرئيس هادي من الرياض التدخل، وتم تكوين التحالف العربي للقضاء على ما أطلق عليه "الانقلاب الحوثي"، وتكون الجيش اليمني من جديد في عدن، وكان الجنوبيون هم نواة هذا الجيش، وسيطروا على معظم المحافظات الجنوبية وعاد "هادي" إلى عدن.
لم ينس الجنوبيون قضيتهم كما يقولون، وفي الرابع من مايو/أيار الماضي، وبعد قرارات رئاسية من هادي، قرر الساسة في الجنوب تأسيس ما سمي بـ"المجلس الانتقالي"، ليكون الرأس التي تحمل القضية وتمثل الجنوبيين في المنتديات والمحافل الدولية.
عندما تم الاعلان عن "المجلس" تعرض لهجوم كبير من جانب الحكومة، ووسائل إعلامها وعلى النقيض كان القبول الشعبي والذي تمثل في المليونيات بالميادين.
وفي التقرير الأخير الذي قرأه المبعوث الأممي لليمن "إسماعيل ولد الشيخ" أمام مجلس الأمن خلال اليومين الماضيين، استحوذت تلك المسألة على مساحة في هذا التقرير حيث قال "المسألة الجنوبية تتطلب حلاً عميقاً، وإنني أدعو اليمنيين إلى معالجة هذه المسألة من خلال الحوار والوسائل السلمية".
قال الدكتور حسين لقور، المحلل السياسي الجنوبي، لـ"سبوتنيك"، إن إشارة إسماعيل ولد الشيخ إلى القضية الجنوبية بهذا النص، يمكن النظر إليه من أكثر من زاوية، فيمكن أن يعتبر لبنة جديدة في سياق بناء مسيرة الجنوب نحو تحقيق حلمهم، وتجسيد للواقع على الأرض بعد أن أصبحت عدن تحت سيطرتهم.
ويمكن القول إن هذه الإحاطة عن الجنوب والحاجة لحوار جديد حوله، تعني أن الادعاءات التي يقولها البعض، بأن حل القضية قد تم التطرق إليه في مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته 2014 قد سقطت، وأن الحل الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا بالحوار بين الجنوب واليمن.
وقال المحلل السياسي أنور التميمي، تعليقاً على ما ذكره ولد الشيخ بشأن القضية الجنوبية وضرورة حلها حلاً جذرياً، إن هذا يؤشر بوضوح إلى رغبة المنظمة الدولية لتجاوز الحلول الناقصة التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني 2014، والذي رفضته معظم الأطراف الفاعلة شمالاً وجنوباً، ولم يعد يتمسك به سوى الرئيس هادي وحلفاؤه.
وتابع، أكدت إحاطة ولد الشيخ أمام مجلس الأمن، أن ما يسمى بمشروع الأقاليم الستة، والذي أدى إلى اشتعال الحرب بين قوى النفوذ في صنعاء قد سقط، وإصرار هادي وحلفائه على التمسك به سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب.
وأوضح التميمي أن توقيت إفادة ولد الشيخ بعد أن أعلن الجنوبيون ميلاد كيانهم السياسي، تحمل في طياتها رسائل للفاعلين الأساسيين في الساحة الدولية والإقليمية، أن الجنوب بات جاهزاً للتعاطي مع استحقاقاته السياسية بعيدا عن هيمنة هادي وفريقه السياسي.