وكتب الموقع الرسمي للمهرجان على الإنترنت أن الجمهور لم يهدأ ليلة السبت حتى لحظة صعود الفنانة السورية "فايا يونان" في العاشرة ليلا بعد فرقتها المتكونة من سبعة عناصر…أطلت "فايا" أنيقة، جميلة، بدا عليها الاندهاش والارتباك وهي تواجه جمهورها الكبير، ولكن صوتها لم يرتبك وهي تستهل حفلتها بأغنيتها "بيناتنا بحر".
وعلى الرغم من أنها لم تتحرك كثيرا على المسرح إلا أن هذه الفنانة التي أثارت الجدل على اليوتيوب بأغنيتها "لبلادي" في 2014، كانت في تواصل مستمر مع الجمهور، تخاطبه، تمازحه، لا تمانع مشاركتها الغناء دون أن تستسلم لرغبته المندفعة في الغناء بدلا عنها وهو يعرفها جيدا ويحفظ أغانيها…كانت عفوية على المسرح بحساب، وكانت تدرك أنها أمام لحظة تاريخية عليها ألا تفوتها فغنت بإحساس كبير، وبطاقة صوتية استثنائية تنفذ إلى مسام القلب في القرار وتهز السامع بعنف لذيذ في الجواب…صوتها فيروزي، وموسيقى أغانيها مزيج من تجربة الرحابنة ومارسيل خليفة، تقف فايا يونا في هذه المنطقة الصعبة، وهي التي ولدت فنيا وسط الدمار وأصوات القنابل والمدافع والرشاشات، شابة رفعت صوتها عاليا رافضة أن يتفتت بلدها سوريا فكانت أغنيتها الأولى (لبلادي) أكثر من صرخة مدوية، كانت إعلان ميلاد فنانة استثنائية من رحم الحرب والوجع.
على مدى ساعة وخمس وأربعين دقيقة، غنت "فايا يونان" إنتاجاتها الخاصة كلها من بينها "بيناتنا بحر"، "تزنر بعطري"، "يا ليته يعلم"، "موطني"، "في الطريق إليك"، "شدي عقلبي"، "زنوبيا"، "وجهك يا حلو"، واقترحت تهويدة مؤثرة قالت عنها إن الأم السورية عندما ترافق ابنها إلى النوم يستبد بها الخوف من احتمال ألا يأتي صباح جديد تراه فيه.
غنت "فايا يونان" لسوريا… للجمال… للحب والسلام… وكانت أرجاء المسرح الروماني بقرطاج تهتز على إيقاع صوتها المتدفق بالحياة، أما أجمل لحظات الحفل على الإطلاق كانت لحظة غنائها قصيدة "أحب البلاد" للشاعر الكبير "محمد الصغير أولاد أحمد" نشيدا أثر كثيرا في الجمهور فوقف مصفقا بحرارة، وقالت "فايا يونان" إن هذه الأغنية ولدت بين تونس وسوريا، كتبها الصغير أولاد أحمد في تونس، تم تلحينها في سوريا، وجمعت وجع الوطن العربي في نشيد صادق وتقديرا لجمهورها التونسي الذي رافقها من العالم الافتراضي إلى الواقع، ومن اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي إلى المسارح الكبرى اهمها قرطاج، غنت الفنانة السورية "فايا يونان" "حبي يتبدل يتجدد" للهادي الجويني و"ريتك ما نعرف وين" للطفي بوشناق، وفي كليهما كانت متمكنة في الآداء، ووفقت الفرقة الموسيقية قليلة العدد (سبعة عناصر) في تنفيذها بشكل جيد.
رصيد "فايا يونان" من الإنتاجات الخاصة قليل ولكنه سمح لها بتأثيث سهرتها على ركح المسرح الروماني بقرطاج دون أن تلتجئ إلى التراث العربي، وقد فعلت ذلك ثلاث مرات فقط اثنين منهما مجاملة لتونس (حبي يتبدل يتجدد وريتك ما نعرف وين)، وعلى الرغم من أن البعض توقع أن تغني شيئا لفيروز أو لمارسيل خليفة وهي التي تقف بإصرار وعناد في منطقتهما الموسيقية الصعبة إلا أن "فايا يونان" لم تفعل ذلك قصدا في ما يبدو حتى لا تتهم بالتقليد وفي ما فعلته ذكاء من فنانة تدرك جيدا أنها امتداد لمدرسة صعبة عليها أن تبتعد عن رموزها حتى تثبت هويتها الموسيقية وقد نجحت في حفلها على ركح المسرح الروماني بقرطاج ليلة السبت 15 جويلية الجاري في إثبات ذلك.