لالش/ الموصل— سبوتنيك. فينظرون لها بشيء من الريبة وبكثير من الأسئلة…كيف تحرم الديانة الأيزيدية الزواج في شهر نيسان/ أبريل رغم أنه وقت الربيع وتفتح الأزهار، وما الحكمة من منع حرث الأرض يوم الأربعاء؟
الخلاف بين الغالبية العظمى من أهل المنطقة وبين الأيزيديين وإن كان يقف، في كثير من الأحيان، عند حدود الدهشة لما تتضمنه طقوس الديانة الأيزيدية، إلا أن تهمة الكفر من جانب إمبراطوريات حكمت المنطقة على مدى خمسة قرون كانت أخطر ما تعرض له الأيزيديون.
ما تعرض له الأيزيديون على يد غالبية تخالفهم العقيدة، قرونا طويلة، لا يعادله ما عانوه على مدى السنوات الثلاث الأخيرة على يد "داعش" الذي قتل شبابهم واغتصب فتياتهم ونساءهم بذريعة أنهم غير مسلمين، وهو الأمر الذي لم يقنع الأيزيديين الذين شاهدوا بأعينهم كيف يقتل الداعشي شخصاً مسلما لمجرد أنه يخالفه الرأي ولا يقبل إرهابه.
لكن إرهاب "داعش" لم يفلح في إجبار غالبية الأيزيديين على التخلي عن منهج حياة متوارث منذ آلاف السنين، يمتزج فيه الإيمان بالمرح ويتداخل فيه الفن مع الجدية، والألوان الزاهية بأمنيات تسكنهم في أن يعم السلام العالم ويدرك الجميع أنهم بشر.
معبد لالش النواري خميرة هذا الكوكب:
"الأيزيدية" ديانة يصفها أتباعها بـ"الطبيعية"، إذ تقدس الظواهر الطبيعية حبا وخوفا؛ فالمطر يهب الحياة للأرض، بينما يخشى الجميع فيضاناته، وهو ما ينطبق على كل الظواهر من الشمس مرورا بالبراكين، والزلازل، والصواعق، وانتهاء بالقمر.
ويمثل معبد "لالش النوراني" العنوان الأبرز والقيمة الأكبر في حياة الأيزيديين، فهو المعبد الوحيد الذي يحج إليه الأيزيديون من أنحاء العالم؛ فمن يرغب منهم في أن يقصده حاجاً فعليه أن يخلع نعليه قبل أن يدخله ويطوف بجوانبه.
يطل المعبد ببنائه الفريد وسط غابة من الأشجار نمت بكثافة منذ مئات السنين على سفح منطقة جبلية شمال غرب الموصل بمحافظة نينوى شمال العراق…قبابه الهرمية الحادة ترمز للشمس وأشعتها الساطعة التي تنير الكون.
المعبد يقع على بُعد 13 كيلومترا من قضاء شيخان، شمال الموصل، تحيطه 3 جبال، على مساحة تصل إلى 4000 متر مربع، وتقام فيه كل الطقوس الأيزيدية، منها إشعال القناديل الـ365 يوميا قبيل مغيب الشمس.
كهف الأمنيات:
في البهو الرئيس للمعبد ذو الأسقف العالية، يوجد 3 أعمدة، تكسوها قطع من القماش، بألوان زاهية، تميز كل منها لفّات بدت غريبة بعض الشيء، إلا أن مرشدنا، لقمان سليمان، مسؤول مكتب لالش في المعبد، فسرها بالقول: "إن كل شخص يأتي، أيا كانت ديانته، عليه أن يعقد طرف القماش، المسمى بريات، ويتمنى من الخالق أن يحقق أمنيته".
ولا تتوقف هذه الأمنيات هنا، فبداخل المعبد توجد قاعة زيت الزيتون، الذي تفوح رائحته بشدة في المكان، وهناك يقف المتمني أمام صخرة وبيده قماش أو "بريات" من ثم يغمض عينيه ويحاول أن يسدد "البُرية" نحو الصخرة، فإن استقرت فوقها في واحدة من ثلاث مرات فإن الخالق سيحقق الأمنية لا محالة.
فرمانات الإبادة:
ويؤكد مسؤول لالش في المعبد، لقمان سليمان، أن أعداد الأيزيديين في العراق تصل إلى 700 ألف نسمة، إلا أن ظهور ما يسمى تنظيم "داعش" الإرهابي ساهم في خفض هذا العدد بسبب القتل، والاختطاف، والهجرة أيضا.
وأضاف لقمان: "أعتقد أن التعداد الحالي 600 ألف فقط، بينما هناك 6000 أسير، ومختطف، معظمهم فتيات، لا يزالون في قبضة "داعش" في قرى تلعفر، وسوريا".
يتذكر لقمان بأسى شديد ما حدث لطائفته على يد التنظيم الإرهابي في الثالث من آب/ أغسطس 2014، قائلا: "الأيزيديون أصبحوا أفقر طائفة في العالم، فقدوا ثروتهم وما جمعوه طوال عمرهم خلال ساعة واحدة اجتاح فيها "داعش" قراهم، ما جمعناه وبنيناه في 100 سنة، فقدناه في ساعة واحدة".
يضيف لقمان: "داعش قتل كل من هو دون 12 سنة، من الذكور، وخطف الأطفال، وسبى الفتيات والنساء، دخل عناصر التنظيم قرية كوجو مثلا، فخيروا أهلها بين اعتناق الإسلام أو الموت، وأعطوهم مهلة في يوم 3 آب/ أغسطس 2014، وفي 15 آب/ أغسطس قتلوا كل رجال وشباب القرية، بناء على فتوى من مفتي التنظيم، نسميها نحن فرمان الإبادة الجماعية".
يؤكد لقمان أن "اعتناق الإسلام كانت حجة "داعش" لسبي النساء، وخطف الأطفال ليس أكثر، نحن وأهالي كوجو فهمنا حجج داعش"، متابعا: "إذا اعتنق أهل كوجو الإسلام فسيحرمون من لالش، والطقوس السنوية للديانة وهذا شيء صعب جدا".
وردا على سؤال وكالة "سبوتنيك" لماذا الأيزيديون بالذات هم من استهدفهم "داعش" بهذا التركيز، قال لقمان "لا يدافع أحد عن الأيزيديين. قتلوا 6000 شخص، وسبوا 6000 فتاة فمن دافع عنا؟".
وأردف قائلاً، "ليست المجزرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، وكلها مسميات من العثمانيين، لتنظيم "القاعدة"، لـ"داعش"، وأنا متأكد أنهم سيخرجون بعد الهزيمة بمسمى جديد".
وأضاف "فتوى داعش الأخيرة في آب/ أغسطس 2014 بقتل الأيزيديين، سبقها 73 فرمانا بإبادة الأيزيديين، صدرت على مدى أكثر من 4 قرون، دفعت الأيزيديين إلى العيش لسنوات في كهوف جبلية، أبرزها جبل سنجار، الذي حمى حياتهم.
يقول لقمان إن وظيفته كان الظهور عبر شاشات التلفاز لإذاعة الخبر والتأكيد عليه، كي لا تفقد الفتيات المختطفات، والأطفال، وغيرهم، الأمل في العودة إلى لالش، متابعا: "عادت أكثر من 1000 فتاة وامرأة تقريبا، وأعيد تعميدهن من جديد في عين البيضاء".
ويتابع لقمان: "هناك تقريبا 3000 فتاة وامرأة وطفل في قبضة "داعش" في تلعفر، حتى الآن، بعضهم جرى تهريبهم إلى الرقة ودير الزور في سوريا".