موسكو التي تحولت إلى مقصد لكثير من قادة وزعماء منطقة الشرق الأوسط بدءاً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومروراً بعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأخيراً الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي تمثل بلاده واحدة من أكبر اقتصادات العالم، والدولة التي تشترك مع روسيا في قيادة المجتمع الدولي اقتصادياً عبر مجموعة العشرين، ينظر لها في المنطقة على أنها لاعب مهم ومؤثر في تشكيل الخارطة السياسية لمستقبل هذه المنطقة.
التوجه إلى موسكو يطرح قراءات دقيقة لسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما يعكس إمساكه بملفات تعد عنصراً رئيساً لضمان الأمن والاستقرار الإقليمي خاصة في دولة مثل سوريا، وهو ما التقطه قادة دول المنطقة ببراغماتية شديدة رغم التحالفات القائمة والقوية بين كثير من هذه الدول والولايات المتحدة، إلا أن الواقع السياسي الجديد يفرض تواصلاً أيضاً مع روسيا الدولة المفتاح لكثير من الملفات المتعثرة، وحتماً لابد أن يكون هذا التواصل قوياً لحلحلة هذه الملفات شبه المجمدة من فترة، والتي يدفع ثمنها شعوب كثير من الدول العربية.
العاهل السعودي غير بعيد عن التطورات في السياسة الروسية الخارجية، إضافة إلى أنه ولكثير ممن لا يعرفونه خارج المملكة هو واحداً من أكثر الزعماء في العالم واقعية، فهو الذي يقود بلاده إلى حقبة جديدة كلياً عما كانت عليه في السابق، وهو الذي يعيد تشكيل الصورة النمطية التي ظلت السعودية أسيرة لها طوال عقود، ويفهم من قراراته وتحركاته أنه لا يرى أي غضاضة في أن يتقارب مع روسيا حتى وإن كانت العلاقات السعودية — الأمريكية في أوج قوتها وتطورها، خاصة إذا كان هذا التقارب مع موسكو سيصب في خدمة (السلم والأمن الدوليين) كما أكد خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء، الثلاثاء الماضي.
إن زيارة السعودية، الحليف المهم والأكبر للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، إلى روسيا هي واحدة من عناوين كثيرة تحدث في الداخل السعودي، وصياغة جديدة لمرادفات سياسية وسلوك قيادي مغاير للصورة الذهنية التقليدية عن المملكة، تعكس واقعاً جديداً في السعودية التقطه مبكراً الرئيس بوتين عقب لقائه ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، ووصفه له في حوار أجراه مع بلومبيرغ في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2016 بأنه (شريك موثوق يفي بتعهداته دائما، وعلاقته مع سموه على المستوى الشخصي طيبة جدا) وأنه (يعتبره مسؤولا نشيطا جدا، وشخص يعرف جيدا ما يريد تحقيقه ويعرف كيف يحقق أهدافه وشريكا موثوقا يمكن الاتفاق معه وأن موسكو نكون واثقة من تنفيذ تلك الاتفاقات).
هذه التصريحات الصادرة من رئيس دولة كبرى مثل الرئيس بوتين، تعطي رسائل اطمئنان دولية، بأن هذه الكيمياء المشتركة بين القيادة في موسكو والقيادة في الرياض لابد وأن يتم توظيفها بشكل واقعي لخدمة أمن واستقرار المنطقة والدول العربية التي باتت وبكل ألم عرضة لتمزقات وصراعات تخضع في أحيان كثيرة منها إلى أجندات وتوجهات لا تصب بالضرورة في صالح الشعوب العربية.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)