الأكثر جرأة
ومع وصول "الملك سلمان" لقيادة المملكة وولاية العهد للأمير محمد بن سلمان، كان لا بد من وضع رؤية شاملة وخطة طويلة الأجل لعلاج العجز في الميزانيات السعودية والميزان التجاري، وتوفير مصادر للدخل بعيدة عن النفط وفق رؤية مستقبلية، تهدف في مراحلها الأخيرة إلى تنحية النفط من الريادة في الميزانية.
ركزت الخطة على التنمية ولم تغفل النسيج الاجتماعي، الذي سيكتوي بنار تلك الإصلاحات، نتيجة هيكلة الدعم.
لكن الرؤية وضعت استراتيجية من أجل وصول الدعم لمن يستحق من السعوديين وفق خطة واضحة، ومن أهم المميزات التي جاءت بها تلك الرؤية هى "المرونة"، وهو ما يعني قابلية عناصر الخطة للتعديل "حذف واضافة"، وفقاً للمخرجات الموضوعة.
ووصف الأمير محمد بن سلمان تلك الرؤية بأنها "ستكون الخطة التنموية الأكثر جرأة والأكثر شمولاً بتاريخ المملكة"، حيث تتضمن برامج اقتصادية واجتماعية لتجهيز المملكة، إلى زيادة مداخيلها من غير النفط، وتقليص الاعتماد عليه، عبر أكبر هيكلة لصندوق الاستثمارات العامة، وخصخصة أصول بقيمة 400 مليار دولار أمريكي، وستشكل أكبر فرصة للقطاع الخاص وتحديدا الشركات المؤهلة للاستفادة منها.
أشار عبد الرحمن الراشد، رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي، إلى أن رؤية المملكة 2030 هى خطة استراتيجية وضعتها قيادة المملكة لمدة 15 عاما، وقد حملت تلك الخطة تطلعات المملكة للمرحلة القادمة.
وتابع الراشد في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك"، أن السنوات السابقة كانت المملكة تتبنى خطط تنموية قصيرة الأجل "خمسية"، ولم تكن هناك خطة استراتيجية بعيدة المدى، وهذا هو وجه الخلاف بين الخطط السابقة، ورؤية 2030، التي تحمل رؤية استراتيجية شاملة للاصلاح في جميع مناحي الحياة، بجانب الأهداف المرحلية للخطة.
وقال الراشد، إن المملكة لها تطلعاتها ووضعت رؤية للصناعة والزراعة والتعليم والصحة والطاقة ورفع صادرات المملكة لما يقارب الـ 50% من ناتج المملكة غير النفطي، وبطبيعة الحال المملكة العربية السعودية من دول العشرين، وسوف تستمر في عمليات التنمية لتحقيق مكاسب ومراكز متقدمة.
الضمان الاجتماعي
وحول تأثير تلك الرؤية الإصلاحية على الحياة في المملكة ومدى تقبل المواطن لها، لكل إصلاحات جوانب سلبية، والحكومة تعمل جاهدة من أجل تقوية شبكة الضمان الإجتماعي، نظرا لما أعلنت عنه من إجراءات تقشفية، لذا فالنمو الاقتصادي يجب أن يكون بمعدلات كبيرة خلال تلك المرحلة، لخلق رفع في الدخول وخلق وظائف جديدة، وهذه معادلة ليست سهلة "عملية الموازنة بين الاصلاحات والضمان الاجتماعي"، ولا بد أن يصاحبها نوع من "الألم المجتمعي".
وعن النظرية الاقتصادية التي يتبناها الاقتصاد السعودي أوضح الراشد، المملكة منذ تأسيسها تتبنى نظريات الاقتصاد الرأسمالي وحرية التنقل لرؤوس الأموال من خارج وداخل البلاد، وإن كانت تتبنى عمليات الدعم المجتمعي، كان هذا لقطاعات معينة خدمية مثل الطاقة والمرافق العامة.
ومن جانبه قال غسان بادكوك، الكاتب والمحلل الاقتصادي السعودي، إن المواطن يتفهم أن الرؤية التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حتى وإن كانت هناك أعباء والتزامات إضافية سيتحملها المواطن، فإنها أمام المكاسب الكبيرة المتوقعة من تلك الخطة وبرنامج التحول الوطني ستكون "بسيطة".
وأضاف بادكوك، في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك"، أن المواطنين السعوديين عبروا بأشكال مختلفة عن الرؤية بتقبل غالبية المواطنين للإجراءات التي تمت، والخطة بدأت وهى ماضية نحو أهدافها، وهذا لا يمنع مراجعة مفردات الخطة من وقت لآخر لتقليل الجوانب السلبية أو الآثار غير المنظورة لبنود الخطة، وهذا ما حدث بالفعل خلال الأسابيع القليلة الماضية، وربما نشهد خلال الفترة القادمة الإعلان عن بعض التعديلات الطفيفة على تلك الخطة.
من جانب آخر، قال بادكوك، إن الدولة وضعت في حساباتها التكاليف الإضافية التي قد يتحملها المواطن جراء برامج التحول الوطني، لذلك قامت الحكومة بوضع برنامج تحت مسمى "حساب المواطن".
وأوضح أن الهدف من البرنامج توجيه بعض الدعم، الذي كان يدفع لجميع الفئات الاجتماعية من السعوديين، بحيث يقتصر في المرحلة القادمة على شرائح محدده من السعوديين تستحق بالفعل أن تحصل على هذا الدعم، وهذا البرنامج قد يخلق أعباء كثيرة خلال الفترة القادمة وهو ما تحاول الحكومة التقليل من آثارها.
الفارق كبير
وأوضح بادكوك، أن الرؤية الحالية تختلف تماماً عن الخطط التنموية السابقة والتي لن تتجاوز مدة الواحدة منها الـ 10 سنوات، وقد نفذنا منها 10 خطط تقريبا، وكانت تلك الخطط تركز في أهدافها الرئيسية على تنويع مصادر الدخل، وللأسف لم تحقق الخطط السابقة هدفها الأساسي.
وأشار إلى أن الفارق الرئيسي في برنامج التحول الوطني أو الرؤية الشاملة 2030، هو التركيز بشكل كامل على قضية تنويع الاقتصاد، لأن التدهور في أسعار النفط منذ العام 2014، أعطى إشارات مهمة جداً للحكومة السعودية، بأن استمرار التراجع في أسعار النفط ستكون له انعكاسات سلبية على الاقتصاد السعودي على المديين "القريب والبعيد"، وأيضا على احتياطيات المملكة الخارجية واستثماراتها.
وفي مقابلة مع "العربية نت" قال د.سعيد الشيخ، كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري السعودي، إن الأصول ستكون مرتكزة في تحقيق مبلغ الـ 2.7 تريليون دولار، مشيرا إلى وجود "45% من القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودية، مملوك لصندوق الاستثمارات العامة، كما أن الحكومة تملك حصصاً مؤثرة في عدد من الشركات المدرجة أبرزها الكهرباء السعودية، والاتصالات والبنك الأهلي وبنك الرياض وبنك سامبا".
ويتابع بقوله:
"هناك جزء من هذا المبلغ (2.7 تريليون دولار) متوفر أساسا في صندوق الاستثمارات العامة"، كما أن الدولة تملك أصولا لم تحدد قيمتها بعد "مثل محطات تحلية المياه، وصوامع الغلال، وإذا خصخصت الدولة المطارات، فسيكون الرقم كبيرا هذا بجانب ما ذكر عن تخصيص أجزاء من بعض القطاعات مثل القطاع الصحي، وطرح نسبة 5% من شركة أرامكو، إضافة إلى احتياطيات الدولة من النقد والتي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)".
وتشمل رؤية السعودية، توفير مبلغ 30 مليار دولار، بعد 4 سنوات إلى جانب رفع الإيرادات غير النفطية إلى 100 مليار دولار، وتغيير السياسات الاقتصادية لأكبر بلد نفطي في العالم، وهذا بحد ذاته سيحمل إشارات عالمية مهمة تترقبها المؤسسات المالية.
وستستخدم الخطة بحسب القائمين عليها، بمثابة "جسر لنقل التقنية" والاستفادة من الميزات التنافسية للاقتصاد السعودي، الذي يتميز بنشاط قوي في قطاعي التجزئة وتكنولوجيا المعلومات، الذين يحققان قفزات نمو قوية وقادران على توفير أكبر عدد من الوظائف الجديدة.