وهناك ضحايا كثيرون في ليبيا ولكن لعائلة خالد وضع خاص، حيث "جاء القصف لمنزلهم بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الفرنسي وقتها ساركوزي وبين والده الفريق الخويلدي الحميدي عضو مجلس قيادة ثورة "الفاتح" والصديق المقرب للزعيم الليبي معمر القذافي"، حسبما قال الحميدي. مراسلة "سبوتنيك" التقت المهندس خالد الخويلدي الحميدي رئيس المنظمة العالمية للسلم والرعاية والإغاثة، وكان معه هذا الحوار…
في البداية.. ما قضيتك مع حلف "الناتو"؟
بداية من المهم توضيح أبعاد قصف الناتو وقتل المدنيين في 2011 في مختلف ربوع ليبيا لفهم أدق للقضية وحيثياتها، حلف "الناتو" كان معد لمواجهة حلف "وارسو" وتحديدًا الاتحاد السوفييتي أي لم ينشئ لمواجهة دول صغيرة مثل "ليبيا" بل لمواجهة تحالفات دولية ودول عظمى، قضيتي مع "الناتو بدأت بعد العدوان البربري الذي استهدف كل ليبيا، كانت البداية منذ قراري الأمم المتحدة 1970 و1973 واللذان أجازا استخدام القوة لحماية المدنيين، ووفقًا للقانون الدولي "الناتو" غير مخول بالتدخل في ليبيا، لولا التآمر الفرنسي بقيادة ساركوزي، تدخل أولا بقصف فصائل الشعب المسلح "الجيش الليبي" النظامي للدولة آنذاك، في كل المناطق والقرى الموجود فيها، حتى القابعة في معسكراتها، أي أنه لم يلتزم بأصل القرار لحماية المدنيين، فلو كان الهدف هو حماية المدنيين، ما هي أسباب ضرب المعسكرات و بها جنود، فلقد استهدف كافة القواعد العسكرية ومخازن الذخيرة، و بعد أسابيع بدأ باستهداف مخازن الأغذية والأدوية في خرق واضح للقرار المخترق أصلاً.
ولصمود كتائب الشعب المسلح "الجيش الليبي النظامي" وهو ما لم يكن متوقعاً للفارق العسكري المهول، و هنا أشيد بضباطنا البواسل و ضباط الصف والمتطوعين الذين صمدوا أمام الترسانة العسكرية الرهيبة والوضيعة للناتو المعتدي، و في شهر 5 بدأ جنون الناتو وكانت البداية في "غرغور" بطرابلس بقصف بيت سيف العرب معمر القذافي، وهو شخص مدني بعيد تماماً عن السياسية، واستشهد معه عدد من المرافقين والأقارب، و بعدها تم قصف سوق الجمعة القريب من نقطة مركز أمني وقتل أفراد عائلة الغراري، و بعدها في 20-6 تم قصف بيتنا في صرمان لاستهداف والدي، وتوالت جرائم الناتو في قتل الأبرياء لتصل إلى قبيلة ورفلة ورجالها في بني وليد الذين نفخر بهم وبأخلاقهم وبطولاتهم وانتمائهم للوطن ورفضهم للخيانة والانشقاق عن نظام دولتهم، ليسقط العشرات منهم في قصف غادر للناتو و تقتل أسرة كاملة من عائلة جفارة، و من ثم قصف ماجر وزليتن ليسقط العشرات من المدنين بمن فيهم أسرة مصطفى المرابط، وأخيرا في سرت الصمود و التي استهدفوا فيها تجمعات لشباب مؤيدين للنظام، و قتلوا أسرة ذياب وقصف رتل الدكتور سيف الإسلام القذافي الذي أصيب بجروح، واستشهد معه العشرات من الشباب المدنيين المتطوعين في بني وليد، و ختم الناتو جرائمه في ليبيا بقصف رتل القائد معمر القذافي، والذي سقط فيه قرابة 100 قتيل أغلبهم من سرت ومناطق أخرى، منهم الرفيق الوفي الفريق أبو بكر يونس عضو مجلس قيادة الثورة و وزير الدفاع، و هذا يؤكد جلياً أن الهدف لم يكن حماية المدنيين، و إنما لإعطاء الفرصة للعصابات والمليشيات المسلحة بإمساك القائد معمر القذافي و ابنه البطل المعتصم بالله والتنكيل بهم و بجثثهم في أبشع الصور البعيدة كل البعد عن أي مبادئ عرفتها الإنسانية.
أخيرا، فإن حلف الناتو نفذ في ليبيا "26 ألف" طلعة جوية و قام بتنفيذ "9500" غارة و دمر"6000" هدف ، و لأن المؤامرة في أساسها فرنسية ساركوزية قطرية، و بعد ساعتين من إصدار قرار مجلس الأمن القرار بدأت فرنسا بتنفيذ عمليات عسكرية، ومن الجدير بالذكرأن فرنسا منفردة نفذت "5316" طلعة جوية و"1200" غارة و أطلقت "1000" قنبلة و"100" صاروخ.
إن ما حدث يعتبر سابقة دولية، لأن مجلس الأمن حين يجتمع فإن المواد من 39 إلى 51 من ميثاق الأمم المتحدة تقول بأن الخطوة الأولى قبل تنفيذ القرار تحت الفصل السابع؛ تبدأ بالحصار الدبلوماسي والاقتصادي وتنتهي باستخدام القوة، والقوة تستخدم باجتماع رؤساء أركان الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن "روسيا، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، الصين" ويقرروا خطة إيقاف الدولة المارقة أيًا كانت، وفق خطه تعتمد أولاً من الأمين العام، ولكن لم يحدث ذلك وتدخلت فرنسا منفردة، ولم يكن هناك لجنة تقصي حقائق قبل القصف كما حدث في صراعات أفريقية سابقة كحرب "الكونغو" بل اعتمدوا على أكاذيب وإشاعات "قناة الجزيرة".
لماذا استهدف حلف "الناتو" منزلكم بهذا الشكل تحديدًا مما دفع العقيد القذافي للرد في خطاب رسمي؟
والدي الراحل، جد الشهداء الفريق الخويلدي يتمتع بمكانة اجتماعية كونه عضو مجلس قيادة "ثورة الفاتح" وأحد رموزها، و لقربه من الشارع الليبي والقبائل الليبية فقد كان له تأثير اجتماعي كبير من خلال تواصله المباشر مع الناس ورعايته للعديد من جمعيات الأيتام وإشرافه على العديد من المشاريع التنموية و قد كان خلال الأحداث ورغم اعتلال صحته نتيجة عملية جراحية قام بها في 2010 ناشطاً وعلى تواصل مع القبائل وأهالي المنطقة الغربية والشرقية لإيجاد حل للأزمة، و قد تتوج ذلك بالإعلان عن المؤتمر العام للقبائل الليبية، وأعتقد جازماً بأن عملاء الناتو في داخل ليبيا قد تواطئوا مع رعاة صناع القرار العسكري والإعلامي "ساركوزي و حمد"، و لعبت الجزيرة دوراً مهماً في بث الشائعات والأخبار الكاذبة عن والدي ونشاطاته متهمة إياه بقيادة كتائب وميليشيات، واتهمتني شخصياً و أنا المدني بقتل الآلاف من النساء والأطفال في منطقة الزاوية.
و قد كانت مكانة والدي الاجتماعية والتاريخية محل اهتمام العدو، حيث ورد لوالدي اتصال من مكتب ساركوزي في مايو 2011، عرض عليه مغادرة ليبيا آمناُ و من معه إلى فرنسا بحجة أن ليبيا في حاجة لتغيير ديمقراطي في نظام الحكم وسيتم دعمه واختياره رئيساً قادماً لليبيا، وخلال المكالمة الهاتفية قال مكتب ساركوزي إنه على أتم الاستعداد لتجهيز طائرة خاصة لنقله و عائلته من مدينة جربة التونسية إلى باريس، فكان رد والدي محتداً بقوله للمترجم قل لساركوزي "أنا لست موظف في ثورة الفاتح، أنا شريك في هذه الثورة وأنزلت العلم الأمريكي بيدي وحميت بلادي من المستعمر و لن أكون في يوم خائنا لوطني أو عميلاً لأحد".
وبرفض والدي التحالف مع العدو بات مستهدفاً من قبل غارات الحلف، فقد تم قصف مكتبه في طرابلس و بيتنا في صرمان لاحقاّ.
هل تم قصف منزلك بعد رفض الفريق الخويلدي عرض الرئيس ساركوزي؟
نعم، فقد تم قصف منزلنا بعد أسابيع قليلة من تاريخ المكالمة وقبل ذلك بأيام تم قصف مكتب والدي في طرابلس بجوار مقر المخابرات الليبية، و للعلم فإن عمل والدي حينها كان جهة رقابية على الجيش "هيئة السيطرة والقضاء" وليس جهة تنفيذية.
نحن لم نغادر منزلنا رغم شعورنا بتهديد ساركوزي حيث لم نتوقع أن يكون بيتنا بساكنيه من الأطفال والنساء والمدنيين هدف عسكري مشروع، منزلنا لم يكن يوماً منطقة عسكرية ولم يحتوي ترسانة أسلحة، و بيان حلف "الناتو" الذي برر قصف المنزل بأنه هدف عسكري مشروع لوجود لواقط استقبال تلفزيونية أسماها مبنى اتصالات، لا أعتقد أن أجهزة الاستشكاف العسكرية الدقيقة اختلط عليها الهدف من كونه المنزل أو مركز اتصالات.
الغاية من قصف المنزل كان جلياً باستهداف والدي واغتياله، لإضعاف النظام ونشر الفوضى في المنطقة الغربية بتسليمها للميليشيات و تسهيل الزحف منها إلى العاصمة طرابلس وإسقاط الدولة.
هل تقصد أن هناك عداء من نوع خاص بين ساركوزي وليبيا؟
التواجد الليبي في أفريقيا عن طريق الاستثمارات والتحالفات الاقتصادية التي أدت إلى تشكيل الاتحاد الأفريقي شكلت تهديداً للمصالح الفرنسية في القارة الأفريقية "أرض الخيرات"، حيث أصبحت العلاقات الليبية الأفريقية هي الأقوى بين الدول صاحبة الوجود في أفريقيا، وبوجود مصالح شخصية لساركوزي لم يتم استكمالها في ليبيا بعقود توريد أسلحة، و لطمس أي أدلة عن استلامه أموال ليبية أثناء حملته الانتخابية، قاد مؤامرة دنيئة ضد ليبيا بدعم قطري أوصلت ليبيا إلى ما هي عليه الآن من دمار و فوضى وعدم استقرار.
متى قررت مقاضاة حلف "الناتو" خاصة أنها سابقة أولى من نوعها؟
اتصل بي القائد معمر القذافي بعد المأساة الأليمة لتعزيتي ومواساتي فيمن فقدت، وأكد لي "بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي ضد ملاحقة القتلة المجرمين، وأننا سنخلد ذكرى الشهيدة الخالدة ببناء أكبر نصب تذكاري لها في أفريقيا، وسنعمل على أخذ حق الشهيدة خالدة بكل الطرق والوسائل الممكنة من الحلف الظالم "الناتو" و الذي سينكسر في ليبيا بعون الله".
و بالفعل بدأت المعركة القضائية ضد حلف "الناتو" وقمنا بتوكيل محامي فرنسي وسجلنا القضية في يوليو/ تموز 2011 أمام المحكمة البلجيكية، وعقدت أول جلسة في سبتمبر/ أيلول 2012 للمرافعة و مناقشة الأدلة والمستندات المقدمة والمطالبة برفع الحصانة عن حلف الناتو؛ لتتم محاكمته ولم يحضر ممثلا قانونيا عن الناتو فقامت الحكومة البلجيكية بتمثيل حلف الناتو كونها إحدى دول الحلف الذي يتخذ من أراضيها مقرا له، وأصدرت المحكمة قرارها في أكتوبر/ تشرين أول 2012 برفض الطلب وعدم رفع الحصانة عن حلف الناتو لأن صاحب القضية المدعي ليس من مواطني الدول الأوروبية وبالتالي لا يحق له رفع القضية في بلجيكا وتم استئناف قرار المحكمة في يناير/ كانون ثاني 2013 ليتم تحديد جلسة الاستئناف في يوم 12 أكتوبر/ تشرين أول 2017، للنظر في الطعن برفض رفع الحصانة عن الحلف و تقرر خلال هذه الجلسة تأجيلها ليوم 30 نوفمبر/ تشرين ثاني القادم للنطق بالحكم.
هل حلف "الناتو" مُلزم بتنفيذ أحكام المحكمة البلجيكية؟
بالمبدأ العام للقانون يجب بداية إصدار الحكم برفع الحصانة لتتمكن المحكمة من النظر في القضية وإصدار قرارها ليطالب الحلف بتنفيذه.
أنت الآن ممثل لضحايا حلف "الناتو" من المدنيين في ليبيا…من كلفك بهذه المهمة؟
إنه أقل ما يمكن أن أقدمه لأبنائي وزوجتي وأقاربي وكل أسر الشهداء الليبيبن الذين سقطوا تحت غارات الحلف الآثم، إنه التزام أخلاقي أعيش لأجله ولأخذ حق أطفالي وكل الشهداء بكل السبل القانونية المتاحة حتى آخر يوم من عمري، و قد تشرفت بالتكليف من بعض الأسر الليبية التي وكلتني بمقاضاة الناتو نيابة عنها، و أسعى في الأيام القادمة لإشهار رابطة ضحايا الناتو في ليبيا التي تم بحمد الله تجهيز النظام الأساسي المطلوب لها بجهود الدكتور الفاضل محمد زبيدة خبير القانون الدولي.
هل يوجد دعم من أي دولة لقضيتكم؟
لم يوجد أي دعم رسمي فيما سبق، من أي دولة أو جهة حكومية، مجرد تعاطف من بعض الشخصيات العامة من الأصدقاء والأهل في مختلف الدول، نحن نطمح إلى وجود دعم دولي لهذه القضية الإنسانية الخالدة، فالناتوالذي قصف ودمر دولة وشعب وتسبب في تهجيرمئات الآلاف من الليبين الآمنين من وطنهم ، هذه القضية ليست قضية خالد الخويلدي بشخصه بل هي قضية كل الشعب الليبي المتضرر من العدوان المباشر ونتائجه، التي أدت إلى توغل الميليشيات وظهور الجماعات الإسلامية الإرهابية في ليبيا والتي باتت تهدد ليس استقرار ليبيا وحسب، بل امتدت إلى كافة بقاع الأرض.
إنني هنا أتوجه بالتقدير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كونه أول رئيس في العالم تحدث بشجاعة متناهية عن الخطأ الفادح بضرب ليبيا وقتل القائد معمرالقذافي، وأناشده بأن لا يدخر جهداً في حماية ليبيا من الإرهاب والتقسيم، واتمنى بإسم الضحايا الليبين من شهداء ومهجرين بأن يكون هناك دعم حقوقي وإنساني وإعلامي لإنصاف قضيتنا الخالدة، وسنكون بعون الله أول شعب يقاضي "الناتو" تاريخيًا.
أجرى الحوار: هند الضاوي