كوكبيرن، الصحفي الأيرلندي الشهير الذي قضى في الشرق الأوسط نحو أربعة عقود، نقل عن مامند قوله إنه يريد إجراء بعض الترتيبات الجديدة لتقاسم السلطة، محذرا من العواقب الوخيمة إذا لم يحدث ذلك، ولكنه ليس لديه أمل كبير في الأمر.
كانت كركوك توصف فيما قبل بأنها "برميل البارود" في العراق بسبب التنافس الشديد عليها من قبل القوميين الأكراد وحكومة بغداد. وبحسب كاتب المقال: "فقد تكون المدينة أكثر عرضة للانفجار بسبب المجتمعات الكردية والعربية والتركمانية التي تجعلها موطنا للانقسام. ولكن على الرغم من هذه الخلافات، عندما جاءت الأزمة النهائية في 16 تشرين الأول / أكتوبر، كان التحول من الكردية إلى سيطرة الحكومة الاتحادية سريعا بشكل مفاجئ وسلمي"، وذلك في إشارة إلى فرض سيطرة القوات الحكومة على المدينة بعد إجراء استفتاء الانفصال.
مامند قال إنه لم يكن هناك معركة، وذلك لأن الأكراد لم يكن لديهم القوة العسكرية للاحتفاظ على المدينة، كما أنه يرفض نظرية المؤامرة الخاصة بالخيانة.
وبسؤاله عما إذا كان يمكن أن يتم صد تقدم القوات العراقية إذا اتحد الحزبان الرئيسيان الكرديان، وهما "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديموقراطي الكردستاني" برئاسة مسعود بارزاني، قال مامند "بالتأكيد لا، القوات العراقية لديها دبابات وطائرات، ونحن ليس لدينا أي فرصة، كان يمكن أن نصمد ليوم واحد إذا حاربنا، ولكن النتيجة الوحيدة ستكون إراقة الدماء".
كوكبيرن قال إن العديد من الأكراد قد فروا في ذلك الوقت ولم يعودوا جميعا، ولكن لا يوجد أي دليل على وقوع أضرار جراء القتال، كما أن المتاجر والأسواق مفتوحة، مشيرا إلى أنه كان هناك عاصفة رعدية أفرغت الشوارع لفترة وجيزة، ولكن كانت حركة المرور بطيئة جدا، كما كان هناك عدد قليل من الجنود أو نقاط التفتيش.
ونقل كاتب المقال عن راكان سعيد علي الجبوري، محافظ مدينة كركوك، قوله إن "الشرطة المحلية هي نفسها، وهناك كتيبتان فقط من قوات مكافحة الإرهاب في كركوك، ما يعني أن هناك فقط بضع مئات من الجنود".
إلا أن مامند أصر على أن الأمور ليست تماما ما تبدو عليه، مشيرا إلى أن "الحكومة بحاجة إلى أن تفعل شيئا لتهدئة الشارع الكردستاني". كما يقترح تعيين حاكم كردستاني أو بعض الترتيبات لتقاسم السلطة.
وفي الوقت نفسه، ذكر القائد الكردستاني بعض الحوادث البسيطة لإطلاق نار من قبل ضابط شرطة سابق تابع للحزب "الديمقراطى الكردستانى" على نقطة تفتيش للجيش. كما تحدث عن جريمة قتل وحشية في بلدة تدعى داقوق جنوب مدينة كركوك، وهي ما اعتبرها الكاتب مبررا لقلق ماماند من احتمال وقوع أعمال عنف.
وذكر مامند أن الضحية كان أركان شريفي، (50 عاما)، وهو مصور يعمل لدى شبكة تلفزيون كردستان، طعنه أربعة أو خمسة رجال، هاجموا منزله واحتجزوا زوجته وأبنائه في غرفة منفصلة. وأفادت أسرته أن المهاجمين كانوا يتحدثون اللغة التركمانية.
كوكبيرن، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، قال إنه على الرغم من أن مقتل أركان شريفي حادثة وحشية، فإن هناك ما لا يقل عن 465 صحفيا عراقيا قتلوا خلال السنوات الـ14 الماضية. ولذلك فإن السيطرة على كركوك كانت هادئة بشكل غير متوقع.
وعلى الرغم من أن الحزب "الديموقراطي الكردستاني" يتهم حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بعقد اتفاق إيراني مدبر مع بغداد، فإن الحزبين سحبا في وقت واحد قوات البشمركة من دون قتال. وفي حال كانت القوات العراقية حاربت في طريقها إلى مدينة كركوك، فإنها كانت ستنتصر حتما، لكنها كانت ستفجر صراعا عرقيا وطائفيا أوسع في الأراضي المتنازع عليها.
كاتب المقال أشار إلى أن هذه المواجهة المتوقعة منذ زمن طويل لم تحدث أبدا، ولكن فقدان كركوك هو أكثر من مجرد ضربة قاسية للأمل الكردي في الاستقلال. وفي ظل وجود قيادة منقسمة، وعدم وجود حلفاء في الخارج ومن دون خيار عسكري، فإن الأكراد يفقدون الوضع شبه المستقل الذي حققوه منذ هزيمة صدام حسين في حرب الخليج في عام 1991 وانسحبت قوات الحكومة العراقية من المحافظات الكردية الثلاث.
وتابع حديثه "هذه العملية تسير الآن بشكل عكسي. إذ أقامت القوات الحكومية العراقية نقطة تفتيش على أهم معبر حدودي وهو "إبراهيم خليل" بين تركيا وإقليم كردستان العراق.
"لكن الاستيلاء الهادئ على كركوك يمكن أن يكون خادعا قليلا. فيمكن أن يكون الجانب الكردي ضعيف الآن، ولكن الظروف السياسية يمكن ألا تكون دائما ضدهم تماما أو لصالح الدولة العراقية".
وأشار كوكبيرن إلى أن الأكراد قد هزموا تماما في عام 1975، عندما وقع صدام حسين اتفاق الجزائر مع الشاه الذي تخلى عن تحالفه السابق مع الأكراد. لكن بداية الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 أجبرت جزءا كبيرا من الجيش العراقي على الانسحاب من كردستان العراق، الذي استولت عليها القوات القومية الكردية.
كما أن الإطاحة بصدام من قبل التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عام 1991، مكنت الأكراد من البدء في بناء الدولة، التي أصبحت لاعبا قويا عندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003.
واختتم كاتب المقال بالقول: "إذا استغلت الحكومة المركزية في بغداد تفوقها الحالي على الأكراد الآن بشكل مفرط، فإن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل قوي من جانب الأكراد. ومن المرجح أن يعارض هذا النهج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولكن سيوافق عليه سلفه، نوري المالكي، في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية في أيار / مايو المقبل. في السياسة العراقية، ينتهي الجميع تقريبا بسبب الغرور والثقة الزائدة بالنفس".