وقد أوقف 11 أميراً وعشرات الوزراء الحاليين والسابقين في السعودية، وبينهم الملياردير الأمير الوليد بن طلال في نهاية الأسبوع، في حملة تطهير غير مسبوقة في المملكة، من شأنها أن تُعزِّز سلطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
مخاطر داخلية
شدد عدد من الصحف العالمية على المخاطر التي يجب أن ينتبه إليها ولي العهد السعودي، أولها عواقب إضعاف الركيزة الوهابية بالسعودية إذ يطمح ابن سلمان إلى بناء "مملكة جديدة"، كما يقول مالبرينو الذي يشير في تقريره إلى أن أدوات ابن سلمان لإنجاز ذلك تشمل تدشين ثورتين أو ثلاث ثورات في آن واحد، في بلد كان القائمون عليه حتى وقت قريب يرفضون مجرد التلفظ بهذه الكلمة، وهذا ما يجب أن يحترس منه الأمير الشاب إذ قد يولد ذلك انفجارا لدى الأصوليين الذين يرون فيما يفعله مخالفا لتقاليد المملكة الإسلامية، فضلا عن تقليصه صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف، وسط مساع لتنويع الاقتصاد السعودي وإدخال إصلاحات اجتماعية، إذ زادت الحكومة العام الماضي القيود على الهيئة إذ منعتها من ملاحقة المشتبه بهم أو القيام بعمليات اعتقال.
هجرة المستثمرين
لكن الطريقة التي يسير بها الأمير في إحداث التغيير تدعو للقلق، كما تقول صحيفة "إيكونوميست"، التي تلفت إلى أن أول الأسباب الداعية للقلق هي أن طموح الأمير غالبا ما يتحول إلى حالة من التسرع، فقد قاد تحالفا عربيا في حرب ضد "أنصار الله" ما خلق كارثة إنسانية، كما سعى إلى عزل قطر، وهو الأمر الذي لم يسفر إلا عن تحطيم مجلس التعاون الخليجي ودفع قطر نحو إيران.
وثمة سبب آخر بحسب الصحيفة، وهو الاقتصاد، فخطة الأمير محمد تعتمد جزئيا على جذب المستثمرين الأجانب، لكنهم سيترددون في الإقدام على تلك الخطوة خصوصا حين يرون شخصًا مثل الوليد بن طلال، الأمير والمستثمر العالمي محتجزا. وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن صدى اعتقال الملياردير السعودي، بدأ يتردد في الشركات العالمية وأسواق المال؛ لما للرجل من مكانة كبيرة في عالم المال والأعمال، فهو يملك العشرات من الشركات الكبرى في العالم.
وأشار تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" إلى أن تلك الحملة أثارت المخاوف بين المستثمرين الذين يخشون من إطلاق حملة تستهدف قادة الأعمال التجارية، كما أقلقت التنفيذيين الذين يعملون على خطة التحول الطموحة للأمير بن سلمان، وهزت مجتمع الأعمال السعودي متسائلين ما إذا كانوا هم المستهدفون المرة القادمة.
خوف متداولي النفط
وبالنسبة لمتداولي النفط، تشكل حملة مكافحة الفساد خطراً سياسياً جديداً ينبغي الانتباه إليه، إذ يقول جيوفاني ستاونوفو، محلل السلع لدى "يو بي إس ويلث مانيجمنت"، إن المتداولين لا يرغبون في أي تحركات سياسية غير متوقعة، ومن المرجح أن يحدد المتعاملون في السوق علاوة مخاطر حتى يتضح كيف سيتطور الموقف السياسي. ومع ذلك، يستبعد ستاونوفو ومحللون آخرون أن يطرأ أي تغيير على سياسة النفط قبيل اجتماع مسؤولي الطاقة بمنظمة الأوبك أواخر الشهر الجاري. وأفادت الصحيفة بأنه من أجل المضي قدماً في التحول الاقتصادي، تعد المملكة بحاجة لارتفاع أسعار النفط، وصرح بعض المسؤولين بأنهم يستهدفون سعر 60 دولاراً للبرميل.
ويضيف موقع أويل برايس، أن ولي العهد الجديد يواجه بعض الضغوط الشخصية كذلك، إذ أسفر عدم إحراز تقدم في حرب اليمن، والاستراتيجية السعودية الوليدة لتحقيق استقرار في سوق النفط، وأزمة قطر عن تراجع كبير في توقعات وكالات التصنيف الدولية الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي. ويظل التأثير السلبي لهذه القضايا تحت السيطرة في ظل الاحتياطات المالية الهائلة في السعودية، ولكن مع تزايد قائمة مبادرات محمد بن سلمان الفاشلة، يتعرض منصبه في المملكة لضغوط متزايدة.
تشويش رؤية 3030
كما أثارت الحملة قلقاً من أن تؤدي ملاحقة شخصيات بارزة في أوساط المال والأعمال إلى اهتزاز ثقة المستثمرين في المملكة، ما يمكن أن يخرج خطة الأمير محمد الاقتصادية الشاملة، التي تسمى "رؤية 2030" عن مسارها. وقال دافيد أوتاوي، زميل لدى مركز ويلسون" للأبحاث بواشنطن: "قد يحد إيقاف الأمير الوليد بن طلال من الاهتمام الدولي بالاستثمار في رؤية 2030 التي تهدف لجعل القطاع الخاص غير النفطي المحرك الجديد للاقتصاد"، بحسب التقرير.
وهناك صدمة أخرى لرجال الأعمال العالميين هي احتجاز عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط. الذي ساهم مع جيش من المستشارين الأجانب في وضع خطط لنقل المملكة إلى ما بعد النفط. ويعتقد المحللون أن اعتقاله قد يكون مرتبطا بكارثة فيضانات مدينة جدة، في عام 2009 حين كان مسؤولا عن المدينة، ولكن اعتقاله يلقي بظلاله على خطة الإصلاح الاقتصادي الجريئة "رؤية 2030".
جفاف الدعم الأمريكي
وتحذر صحيفة "إندبندنت" من رهان بن سلمان على الدعم الأمريكي، فليس من المؤكد أن يستمر إلى أجل غير مسمى، خاصة إذا كان مرتبطا بتعويم أرامكو. بل إنها تذهب لتذكيره وتحذيره من خطر الاستيلاء على الأصول السعودية في الولايات المتحدة بموجب قانون جاستا الذي أقره الكونغرس، والذي كان ترامب نفسه قد دعمه. وتضيف: سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما يمكن أن يحدث للأمير محمد إذا جفّ الدعم الأمريكي له، وهو ما يمكن حدوثه لأسباب أخرى غير أرامكو. وقد حافظت المملكة على مكانتها بين القوى الكبرى في العالم، بفضل الثروة النفطية، والعقيدة الدينية، والتحالف الأمني الطويل الأجل مع الولايات المتحدة.
المؤكد أن الجيل القادم من القادة السعوديين قد يواجهون أصعب التحديات، بفضل تزايد عدم الاستقرار الإقليمي، والنفوذ المتنامي لإيران، والحاجة الماسة للإصلاح المحلي. وإذا تعثرت خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي لولي العهد أو فشلت، فإن سيطرته ستكون في خطر كبير، ولذلك، تحتاج السعودية إلى عودة سريعة إلى النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، كما يقترح تقرير "ذا سليتست".