لكن الرغبة الدولية لتشكيل اطار موحد أزعج الكثير من الأفرقاء اللبنانيين الذين اعترضوا على الصيغة ومنهم قوى ضمن تحالف 14 أذار الموالي لرئيس الحكومة اللبنانية الذي رفض الاتيان بعون رئيسا للجمهورية ومن أبرزهم زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع ووزير العدل السابق أشرف ريفي الذي يتمتع في الشمال اللبناني بحيثية كبيرة ومؤثرة لدرجة أنه استطاع ابعاد ميقاتي والحريري عن الساحة الشمالية في لبنان.
تألفت الحكومة اللبنانية وتراجع جعجع عن اعتراضه من خلال تقديم مقاعد وزارية له في الحكومة الأخيرة، لكن ذلك لم يرق للكثيرين الذين اعتبروا أن مشاركة "حزب الله" اللبناني في الحكومة هو خطأ بحد ذاته لأن عنوان الحكومة الأساسي كان يتمثل بسياسة النأي بالنفس متهمين "حزب الله" بإدخال لبنان في معارك اقليمية في سوريا واليمن.
حرصت السعودية التي لم تكن مقتنعة بالتسوية السياسية اللبنانية خصوصا بتواجد "حزب الله" في الحكومة الى ايجاد مخارج ومخططات أخرى لإبعاد الحزب والضغط عليه، فبعد خروج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الأضواء سعى الى ايجاد طريقة للتأثير في لبنان، وكان ذلك من خلال ظهور ثامر السبهان الذي حمل الملف اللبناني على عاتقه وبدأ بمهمته من خلال زيارات مكوكية الى بيروت بين الحين والأخر.
زيارات السبهان الى بيروت لم تكن سياحية بل لأهداف سياسية شملت زيارات يومية لشخصيات سياسية معارضة لـ "حزب الله" كان هدفها جس نبض الشارع المعارض للحزب وتحريض القوى السياسية المنضوية في تحالف 14 أذار على مهاجمة الحكومة اللبنانية وحزب الله. لكن خطاب الرئيس اللبناني، ميشال عون، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الذي أكد لى دور المقاومة في لبنان وأهميتها وانها جزء لا يتجزء من المجتمع اللبناني، بالإضافة الى لقاء وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بنظيره السوري وطرح عودة النازحين الى سوريا في الحكومة، وزيارة عدد من الوزراء اللبنانيين سوريا جعل السعودية تتخبط وتعلن الخطر إزاء الوضع الحكومي في لبنان.
الخطة السعودية…. السبهان قائد الانقلاب الفاشل
بعد كل الخطوات اللبنانية في نيويورك وزيارة وفد حكومي لبناني لسوريا وتقدم "حزب الله" عسكريا في سوريا، استدعي الحريري للمرة ما قبل الأخيرة الى الرياض على عجل حيث تم توجيه تنبه ملطف للحريري على سياسة حكومته وإدارته. وعاد بعد ذلك الى لبنان وأعلن في تصريح له أن السعودية تدعم الحكومة اللبنانية المستمرة في أعمالها.
لكن القضية التي قصمت ظهر البعير وأغضبت السعودية كثيرا هو توقيع الحريري لمرسوم تعيين سفير لبنان في دمشق، وزيارة مستشار الخامنئي على أكبر ولايتي للحريري حيث أطلق ولايتي من على منبر رئيس الحكومة اللبنانية خطاب الانتصار لمحور إيران وسوريا. فما كان أن استدعت السعودية الحريري على الفور الذي ظهر على شاشة سعودية قدم فيها استقالته من الحكومة اللبنانية وهاجم "حزب الله" وإيران.
خطة السبهان كانت معدة ومحبكة من خلال شركاء لبنانيين أعدوا العدة وانتظروا ساعة الصفر، حامل الملف اللبناني في السعودية سمع الكثير الكثير من حلفاء الحريري عن أنه ضعيف وهناك شخصيات أقوى قادرة على مجابهة المد الإيراني في لبنان.
الهفوة الأولى
كل ذلك دفع السبهان الى تحريك عجلة المخطط الذي كان هدفه إخراج الحريري من المعادلة السياسية في لبنان، الأمر الذي سيدخل لبنان في أزمة ودوامة كبيرة تتهم حزب الله أنه سبب المشكلة، لكن ما لم يلتفت له السبهان اعتباره أن الشارع اللبناني ليس ملكا لأحد وخصوصا تيار المستقبل الذي بدوره رفع الصوت ضد الخطوة السعودية "الغير مدروسة".
الهفوة الثانية
وبحسب بعد المراجع الأمنية اللبنانية، بعد أيام على احتجاز الحريري في السعودية استدعي شقيقه الأكبر بهاء الحريري الى السعودية لتحضير كل اجراءات التوريث السياسي له وقامت السعودية باتصالات واسعة شملت عائلة الحريري لمبايعة بهاء الشقيق الأكبر كزعيم جديد لتيار المستقبل ولشريحة واسعة من المجتمع اللبناني، لكن العائلة رفضت ذلك معتبرة الأمر خصوصية عائلية لها وحدها تحديد المبايعة والنهج.
الهفوة الثالثة "القاضية"
لم تكن زيارة البطريرك اللبناني الراعي الى السعودية عادية، فقد أتت في ظرف مناسب للضغط على لبنان من خلال إخلاء الساحة اللبنانية من مرجعية دينية ومرجعية سياسية، تأمل السبهان من هذه الخطوة أن ضغط كبيرا سيمارس على الرئيس اللبناني لقبول الاستقالة وللدعوة الى استشارات نيابية جديدة لتسمية رئيس حكومة جديد وهو بهاء الدين الحريري المدعوم من السعودية والقوى اللبنانية المناوئة لـ "حزب الله" في لبنان.
لكن الضربة القاضية أتت من رئيس الجمهورية نفسه الذي دعا الى توضيح عن وضع الحريري وعودته الى لبنان، وشدد على أنه لن يقبل الإستقالة الا من الحريري نفسه، بالإضافة الى جهود ميشال عون الدبلوماسية التي بلورت حالة غربية لإرجاع الحريري المحتجز في السعودية.
الصداقة الفرنسية…. انقذت الحريري ولبنان
لا شك أن الدور الفرنسي كان فعالا في قضية ارجاع الحريري الى لبنان، فزيارة ماكرون الى السعودية فتح الأفق أمام تسوية فرنسية سعودية تخرج الحريري من الاحتجاز من جهة وتخلص القيادة السعودية من احراج دولي وعربي.
ومن خلال مصادر دبلوماسية وأمنية قضت التسوية الفرنسية السعودية على انتقال الحريري الى باريس أولا ومنها الى لبنان، وبعد عودته الى بيروت يتوجب على الحريري تقديم استقالته لرئيس الجمهورية أو التريث بها من خلال اعلان الحريري والتشديد على سياسة النأي بالنفس كشرط اساسي للبقاء.
لكن الضغط الأمريكي والفرنسي على السعودية من خلال تصريحات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية والفرنسية بوجوب احترام سيادة لبنان وعدم جر البلاد الى الفوضى، أفضى الى التخلي عن موضوع الاستقالة حاليا وافشال المخطط السعودية وانقاذ لبنان وتنحية ثامر السبهان عن ملف لبنان بعد فشله الذي وضع السعودية وقيادتها وأميرها في وضع محرج.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)