تتشابه حبات الثلج وبعض الطيور التي يصادفها دلدار دخيل مراد، الشاب الإيزيدي العراقي، عند جولاته التصويرية، بين جمال ألمانيا، الدولة التي منحته قبل نحو عام، اللجوء الإنساني بعدما قطع طريقا يشبه الانتحار بين البرد القاتل والجوع الفاجع رغم دفعه مال كبير لمهربي البشر.
ويتنافس دلدار، 21 عاما، على نيل لقب أفضل مصور بين الرحالة العرب المسابقة التي تشمل مصوري دول الوطن العربي، وتختم استقطاب المصوتين على المتسابقين حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وتحدث دلدار مراد في حوار أجرته معه مراسلة "سبوتنيك" في العراق، اليوم الأحد 3 ديسمبر / كانون الأول، عن رحلته وهدفه في المشاركة في مسابقة "الرحالة العرب"، وطموحاته بالإشارة إلى مرحلة الخلاص من "داعش" الإرهابي.
ويقول مراد: "إن مشاركتي في هذه المسابقة، تحد كبير بالنسبة لي كوني سأحمل مسؤوليات ورسالة هامة عن العراق إلى المجتمع العربي، وأنا متحمس جدا وأسعى إلى الفوز، لكنني بحاجة إلى التصويت بالتأكيد".
ويضيف مراد: "بالرغم من كونه مهاجر، لكن هذا لا يعني إنه بعيد عن وطنه العراق، متمنيا دعم العراقيين له، منوها إلى أن المشاركين في المسابقة من جميع الدولة العربية، وسيتم اختيار خمسة متسابقين من كل بلد عربي، وأنا سأكون بمثابة سفير لبلدي.
ويحمل مراد في قلبه وطموحه للمسابقة رسالة إلى الجميع وخاص البلدان العربية، يخبرهم فيها أن الشاب العراقي موهوب و قادر على صناعة اللوحة والتقاط الصور من رحم المعاناة رغم الحرب والدمار في بلدنا العراق.
بداية
بدأت أصابع دلدار مراد، تغزل له حلمه بكاميرات التصوير الفوتوغرافي، قبل سبع سنوات، أي منذ عام 2010، ومستمر حتى اللحظة.
وأشار خلال كلامه بألم بالغ إلى فقدانه كل أرشيفه من الصور التي ألتقطها لمدينته قضاء سنجار، غربي الموصل مركز نينوى، شمال العراق، إثر الهجوم المرير الذي شنه تنظيم "داعش" الإرهابي على القضاء ونفذ إبادة شنيعة بحق أبناء المكون الإيزيدي – تمثلت بقتله الرجال وكبار السن وجعل منهم مقابر جماعية، وأقتاد الفتيات والنساء جاريات للاستبعاد الجنسي والبيع في أسواق النخاسة ما بين العراق وسوريا، في مطلع أغسطس / آب عام 2014.
ويؤكد مراد عدم توقفه عن التصوير- هوايته المفضلة بالرغم من ما واجهه من صعوبات، طامحا إلى تحقيق حلمه والفوز بالمسابقة التي طالما انتظر مثلها كفرصة لاحترافه هذا الفن.
يوم الإبادة
اخبرنا دلدار مراد، إنه أمضى 9 أيام من الجوع والعطش والاقتراب من لفظ روحه، في جبل سنجار – الذي هربت إليه العائلات الإيزيدية من مركز قضاء سنجار والقرى التابع له والتي يسكنها أغلبية من الإيزيديين عندما اجتاح تنظيم "داعش" الإرهابي المنطقة.
وقال مراد إن تنظيم "داعش" الإرهابي، اختطف سبعة أشخاص من أقربائه، هم 4 نساء وطفلين وشاب أخر من ضمن أكثر من 5 آلاف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال أخذهم التنظيم للاغتصاب والتعذيب.
الهجرة
توجه دلدار مراد، من جبل سنجار مع الكثيرين إلى الحدود السورية، والتي عبروا منها إلى مدينة زاخو الواقعة بمحافظة دهوك بإقليم كردستان بالقرب من الحدود التركية.
وأكمل مراد: "أمضيت سنة في مخيم جم مشكو للنازحين، قرب دهوك، من بعده تركت المخيم نحو تركيا سيرا على الأقدام"، مضفا: "وصلت إلى أوروبا مع عائلتي المكونة من 6 أفراد عن طريق بحر أيجة، وكانت تكلفة تلك الرحلة 12 ألف دولار أمريكي".
طريق الموت
انطلقت رحلة مراد على غرار ما لاقاه الرحال الأسطوري سندباد البحري، من صعوبات وتغلب على الموت والعطش والعراء.
وصف مراد، الطريق الذي سلكه مع عائلته، عبر تركيا نحو أوروبا، بأنه "انتحار لا غير" لصعوبته والمجازفة التي نجوا منها بأعجوبة بالغة أنقذتهم من الغرق في بحر أيجه الذي ابتلع الكثير من المهاجرين.
وذكر مراد أن دول البلقان كانت تعاملهم وتعامل المهاجرين كأنهم حيوانات وتتركهم تحت الأمطار لساعات وأيام كاملة، وتقدم لهم وجبة طعام واحدة عبارة عن تفاحة وقطعة خبز لا أكثر.
وتابع، مشينا تحت المطر، والبرد ساعات طويلة، رغم وجود المنظمات الإنسانية، مشيدا بدولة واحدة تعاملت معهم بإنسانية في الطريق، هي النمسا التي بدورها نقلتهم إلى ألمانيا وفيها نال دلدار حق اللجوء.
وحتى في ألمانيا، لم يسلم مراد، من العنف، ويؤكد أنه تعرض للضرب على يد لاجئين عرب، بسبب منشوراته على الفيسبوك، وبسبب ديانته التي دائما ما ينعتوه عنها بـ"عابد للشيطان" على حد جهلهم واتهاماتهم له.
وذكر مراد، أن سبعة لاجئين عرب، ضربوه في "كمب "مخيم" لإيواء اللاجئين، وهددوه بالقتل، لأنهم اعتبره يعبد الشيطان ولم تسعفه محاولاته لشرح ديانته، لكن الشرطة الألمانية، تدخلت في اللحظات الأولى، وأزاحتهم عنه وحذرتهم من تكرار ذلك.
واستذكر مراد، قبلها تعرضه إلى منع للتصوير في المخيمات قرب محافظة دهوك، والطرد من مبنى المحافظة دهوك، لمطالبته بإجازة موافقة لتصوير فيلم قصير.
الأمل
حصل مراد حتى الآن على 685 صوتا في مسابقة الرحالة العرب للتصوير الفوتوغرافي، ومن بين المصوتين شباب وفتيات من العاصمة بغداد، بالإضافة إلى أقرانه وأقاربه وأصدقائه من الإيزيديين ومكونات أخرى.
وفرح الشاب العراقي بالدعم الذي ناله من أهل بغداد حتى الآن لتحقيق حلمه والفوز الذي لو ناله سيعمل على استثماره لمساعدة هواة التصوير وتطوير عمله في الصحافة، بالإضافة إلى هدفه الأول وهو التصوير.