وقال المحللون إن المملكة تحاول إثبات جديتها في مكافحة التطرف، في ظل الاتهامات التي تلاحقها بين الحين والآخر بدعم الجماعات الإرهابية، إذ يقول مصدر مقرب من المحادثات التي جرت عقب القمة التي انعقدت في منطقة سيل سان كلو الواقعة غرب العاصمة الفرنسية باريس، إن "المساهمة المالية السعودية مهمة جدا".
وقال المصدر إن "السعوديين يشتبه دائما في تمويلهم الإرهاب، وقيل لهم: لو شاركتم في هذا النوع من التعاون المتعدد الأطراف فإن تلك الشكوك ستزول"، ولمّا كان المال يشكل عقبة رئيسية أمام خروج هذه القوة إلى النور، شكل تبرع الرياض بمبلغ 100 مليون يورو (118 مليون دولار) إغاثة للسلطة الفرنسية التي تقود المشروع، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
أغراض مزدوجة
لكن مراقبين سعوديين يرون أن مساهمة السعودية بهذا المبلغ يخدم أيضا أغراضًا مزدوجة للرياض: مواجهة الاتهامات بأنها تمول التطرف، وتوطيد النفوذ في منطقة استثمرت فيها منذ سنوات.
وقد واجهت الرياض منذ فترة طويلة اتهامات بأنها تصدر شكلا من الإسلام السني الوهابي، بتمويل المدارس القرآنية والمساجد والمجموعات الخيرية في جميع أنحاء العالم، لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكد أنه يسعى الى كبح جماح نفوذ المحافظين المتدينين في المملكة التي تعرضت لهجمات متعددة نسبت الى متطرفين.
وبحسب التقرير، يقدم الأمير محمد نفسه كبطل للإسلام المعتدل، وأنه يسعى لتحديث المملكة، وفى الشهر الماضي أطلق تحالفًا عسكريًا مكونًا من 40 دولة إسلامية، "لملاحقة الإرهابيين حتى يتم مسحهم من على وجه الأرض". وكانت الرياض عضوا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الجهاديين في العراق وسوريا.
ووفقا لما ذكره جين كينينمونت، وهو باحث بارز في مركز الأبحاث البريطاني شاثام هاوس، فإن "المملكة لديها مصلحة في مكافحة الحركات الجهادية العنيفة، فهي تحتاج إلى تلك النظرة من العالم، لكن ذلك ليس جديدا تماما في إطار نظام ولي العهد".
وأضاف: "لقد كان القادة السعوديون على بينة من مخاطر الحركات الإسلامية العنيفة العابرة للحدود لفترة طويلة، وخصوصًا منذ هجمات 11 سبتمبر، ومنذ أن بدأ تنظيم القاعدة مهاجمة المملكة في عام 2003".
المصالح الفرنسية
لكن كينينمونت يرى أن المصالح الدبلوماسية تلعب دورا كبيرا في الضغط الفرنسي على السعودية للانضمام إلى تلك القوة: "علاقات فرنسا مع الخليج تنمو منذ سنوات، في الوقت الذي تستعد فيه بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبى، ومن المحتمل أن تصبح فرنسا أفضل صديق جديد لدول الخليج داخل الاتحاد".
وقال فلورنت جيل، مدير القسم الأفريقي في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، إن السعوديين شأنهم في ذلك شان قطر "لديهم استثمارات كبيرة في منطقة الساحل، منذ مدة تتراوح بين 10 و15 عاما، من مساجد ومشاريع اجتماعية". وأضأف أن "هذا شكلا من أشكال التوسع الوهابي لمواجهة الصوفية المنتشرة في منطقة الساحل. السعودية تمول التطرف" على حد قوله.
وقال نيكولاس ديسغرايس، الباحث في جامعة كينت في إنجلترا، المتخصص في التعاون العسكري في منطقة الساحل، إن الرياض ظلت توسع نفوذها في بوركينا فاسو منذ سنوات، من خلال الجمعيات، العيادات الحرة، المدارس القرآنية، وفي الوقت الذي تحاول فيه بوركينا القضاء على ذلك النفوذ، توفر مشاركة المملكة في قوة الساحل فرصا جديدة لإعادته.
وأضاف: "هذه المساهمة المالية من الرياض في قوة مجموعة الـ5 في الساحل ربما تعيد فتح أبوابها التي كانت مغلقة".
جدير بالذكر أن الإمارات العربية المتحدة، حرصت أيضا على إظهار التزامها بمكافحة التطرف، بدفع 30 مليون يورو إضافية للقوة، من بين تمويل إجمالي يبلغ 250 مليون يورو تحتاجه القوة التي تضم مجموعة دول الساحل الخمس (G5)، دول بوركينا فاسو، ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد.
وقد كان الرئيس الفرنسي ماكرون شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق العسكري ودعم القوة العسكرية المشتركة التابعة لدول الساحل الأفريقي الخمس من أجل جعلها قادرة على محاربة الإرهاب بطريقة فعالة.
وفي نفس السياق صرّح ماكرون، أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أثناء زيارة قام بها لساحل العاج قائلاً بأن "تحضير وتجهيز القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس لا تجري بالسرعة اللازمة" كما طلب "تكثيف الجهود وتسريعها" خاصة بعد ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية في هذه الدول.
وتقود فرنسا منذ شهر آب/أغسطس عام 2014، عملية عسكرية باتت تعرف باسم "عملية بارخان" في منطقة الساحل الأفريقي حيث يشارك أكثر من ثلاثة آلاف جندي فرنسي بمؤازرة الجيوش المحلية لمحاربة الإرهاب.