ولم تكن مدينة حلب كغيرها من المدن السورية التي شهدت بعض مناطقها حراكاً مسلحاً منذ بداية الأزمة في سوريا، فالمدينة التي تعرف بالعاصمة الصناعية للبلاد، لم تعرف أحياؤها السلاح إلا بعد مرور عام كامل من عمر الأزمة، وبينما يحتفل الشعب السوري في حلب بمرور عام على تحرير الشهباء، لا زالت مدينة إدلب الأخت الجارة تعاني من عبث إرهابيي جبهة النصرة بحياة ومصير من تبقى من السكان فيها، فيما يصادف اليوم مناسبة مرور ثلاث سنوات على حصار بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب.
فاليوم تحتفل حلب بمناسبة مرور سنة على تحريرها من سيطرة الجماعات الإرهابية، بينما يكون قد مضى ثلاث سنوات على سيطرة "جبهة النصرة" الإرهابية على إدلب وحصار بلدتي الفوعة وكفريا بشكل مطلق.
فما الذي تغير في مدينة حلب بعد التحرير، وكيف يعيش سكان بلدتي الفوعة وكفريا في ظل حصار مطبق من قبل الجماعات الإرهابية، إذ تجاوز الحصار 1000 يوم، وكيف يعيش من تبقى من سكان مدينة إدلب وريفها في ظل سيطرة جبهة النصرة الإرهابية عليها؟
حدثنا الدكتور كمال جفا ابن مدينة إدلب وحلب عن الوضع في مدينة حلب بعد مرور عام على تحريرها فقال: بعد سنة على تحرير حلب تغير فيها كل شيء، فخمس سنوات من القتال والهجمات التي قادتها مجاميع إرهابية مسلحة، بدأت بها ما تسمى التنسيقيات ومن ثم تطورت إلى ما يسمى جيش حر ومن ثم لواء التوحيد التابع إلى التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، ومن ثم تطور الوضع إلى جبهة النصرة ومن ثم تطور الوضع إلى "داعش"، ولكن تغيرت السيطرة الميدانية والصراع في مدينة حلب خلال خمس سنوات، ويمكن أن نسمي حلب ب"ستالين غراد" وفيها أم جرت أم المعارك، ولو استطاعت الجماعات المسلحة السيطرة على مدينة حلب لقلبت المعادلة على كامل التراب السوري، لأنه لو أسقطوا العاصمة الاقتصادية، هذا يعني إسقاط الدولة في القطاع الشمالي، وبذلك يمكن أن يكون إسقاط حماه تحصيل حاصل، لذلك صمدت مدينة حلب بالرغم من كل ما تعرضت له من الهجمات والحصار، وقدمت الكثير من الشهداء عسكريين ومدنيين، كما دمرت فيها الكثير من البنية التحتية، وتعرضت حلب لحصار جائر وقاهر، كما تتعرض له بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب من قبل "جبهة النصرة" الإرهابية، وكما مرت سنتين على حلب لم يجد الناس فيها ما يأكلون سوى البرغل والماء. نحن أمام تغير في مجرى التاريخ، فحلب اليوم تختلف عما كانت عليه قبل التحرير وهي أفضل، إن كان بالنسبة لعودة مؤسسات الدولة، وعودة الكهرباء والماء، وعودة البنية التحتية إلى العمل، وكل شيء في حلب يعود إلى سابق عهده، وكأننا في بداية عام 2012 عندما كانت مدينة حلب خالية من أي إرهابي.
وأضاف الدكتور كمال جفا أن حلب لم تعد في خطر، لأن ما تبقى من المجموعات المسلحة الإرهابية غير قادرة على شن هجوم على المدينة، لأن تركيا هي بيضة القبان في معركة حلب والتي لم تعد تملك القرار ولا تريد فتح معركة أخرى في حلب.
وتحدث الدكتور كمال جفا عن 8000 آلاف مدني محاصرين بالمطلق في بلدتي الفوعة وكفريا قائلا: نحن نشهد اليوم مرور 1000 يوم على حصار بلدتي الفوعة وكفريا حيث يقاتلون باللحم الحي بصدورهم العارية، واليوم من يحاصر المدينتين عدة تنظيمات جهادية عالمية وعلى رأسها جبهة النصرة الإرهابية من اتجاه مدينة بنش ومعرتمصرين بالإضافة إلى جبهة بروما غرب المدينتين، وهناك عدد كبير من المقاتلين الأجانب وأقصد من الخليجيين هم من يشغلون الجبهات وبعض القناصة تونس، فنحن رأيناهم حيث أجروا مقابلات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف الدكتور كمال جفا: للأسف المنظمات الدولية دائما تحاول الضغط على الحكومة السورية والمجتمع الدولي لإدخال مساعدات غذائية إلى معظم المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة الإرهابية، بينما هذه المنظمات لم تتحدث ولا مرة عن إمكانية إدخال أي مساعدات إلى بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين، وحتى المساعدات التي تقوم الطائرات بإلقائها عبر المظلات إلى البلدتين المحاصرتين، يتم استهدافها من قبل المجموعات الإرهابية التي تحاصر هاتين البلدتين.
كما قال الدكتور كمال جفا: إن بلدتي الفوعة وكفريا صمدتا صمودا أسطوريا منذ ثلاث سنوات وحتى الآن، رغم أنه لا توجد في داخل البلدتين مشافي ولا يوجد مازوت، وحتى الحطب الذي يستخدم في التدفئة ولطهي الطعام أصبح نادرا، نعم لا زالت البلدتان تبديان صمودا أسطوريا، وسيسجل التاريخ هذا الصمود الأسطوري لهاتين البلدتين الصغيرتين ولهذا الشعب الصامد.
وعن الرسالة التي يوجهها المحاصرون في بلدتي الفوعة وكفريا وفي ريف إدلب حيث يعاني الناس من إلى الإرهاب، إلى اجتماعات أستانا وإلى مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، قال الدكتور كمال جفا:
إن أهالي بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين يريدون رفع الحصار عنهم، فهناك أطفال ونساء وهناك حالات مرضية مستعصية، كما أن هناك حالات وفاة يومية بسبب نقص الأدوية والغذاء والمعالاجات، وهناك أمراض انتشرت نتيجة نقص التغذية، وبعض الأمراض المعدية لعدم توفر المياه، فيجب على المجتمع الدولي أن يتحرك من مبدأ إنساني وأخلاقي، فأهالي البلدتين سوريون وهم أبناء هذه المنطقة. وتابع الدكتور كمال جفا: إني أوجه نداء إلى أهالي ريف إدلب ممن يحاصرون أخوتهم في البلدتين، وهم لديهم مصاهرات وأقرباء وهم شركاء في الأرض والوطن والعرض والمال خلال مئات السنين، وعليهم أن يفكوا الحصار عن هاتين البلدتين وأن يقطعوا أيادي المقاتلين الغرباء والمؤسسة الأمنية والدينية التي تسيطر على مدينة إدلب، وسنعود أخوة كما كنا، فلذلك نرسل نداءنا إلى الأخوة وكل من يحمل السلاح في محافظة إدلب ونداء إلى المجتمع الدولي لكي يكون عادلا وأخلاقيا وإنسانيا في معالجة هذا الملف المستعصي، وهو ملف فك الحصار عن مدينتي الفوعة وكفريا.
وأضاف الدكتور كمال جفا أن فصيل "جبهة النصرة" الإرهابي سيهدد العالم وسيهدد تركيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، إذا لم يتم القضاء عليه.
وعن كيفية تعامل الدولة السورية مع إدلب قال الدكتور كمال جفا: إن الدولة السورية تحاول بشتى الوسائل الوصول إلى حل سلمي وسياسي مع قادة المجموعات المسلحة المحلية في محافظة إدلب، وهناك عملية تواصل مع بعض رجال العشائر في إدلب والذين يقاتلون إلى جانب الجيش السوري، وهناك وسائط خير لحل هذه المعضلة، ولكن يبدو أن القرار ليس لأهالي إدلب ولا لمسلحي إدلب، بسبب أن هذه المحافظة محتلة من قبل تنظيمات جهادية عالمية، فلذلك لا بد حاليا من عمل عسكري يؤدي إلى تحطيم البنية التحتية لجبهة النصرة، وهذا ما يحدث حاليا بالتعاون مع القوات الجوية الفضائية الروسية التي تدعم من الجو للقوات السورية التي تحاول جذب المسلحين إلى مناطق بعيدة عن المدن المؤهولة بالسكان، كي تحافظ على المدنيين وجماية البنية التحتية للمدينة.
إن استطاعت القوات السورية التقدم إلى مطار أبو ظهور وتحطيم العمود الفقري لمسلحي الحزب التركستاني وأجناد القوقاز وجيش المجاهدين، عنها سنكون أمام مرحلة جديدة، وعملية إضعاف لهذه المجموعات، وسيكون التوصل إلى حل سياسي مستقبلي وهو تطبيق اتفاق أستانا6، وبالتالي فتح أوتستراد حلب معرة النعمان حماه.
وأضاف الدكتور كمال: أود أن أوجه رسالة إلى الأخوة في القوات الجوية الفضائية والبرية والشرطة العسكرية الروسية التي كان لها الدور الأساسي في وقف تمدد الإرهاب والهجوم الكبير الشي تعرضت له حلب خلال ستة أشهر منذ الأول من أيار وحتى 20.12.2016 ، أنتم أيضا الشعب الروسي شركاء في هذا النصر الكبير.
إعداد وتقديم نزار بوش