أصدر الملك سلمان مرسوما ملكيا نشرته وسائل الإعلام الرسمية السبت، أمر فيه صرف بدل غلاء معيشة شهري قدره 1000 ريال (267 دولارا) للمواطنين من الموظفين المدنيين والعسكريين، وكذلك أمر الملك أيضا بصرف مكافأة 5 آلاف ريال للعسكريين على خطوط المواجهة مع اليمن حيث تخوضالسعودية حربا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وكتب سعود القحطاني، المستشار بالديوان الملكي، في حسابه على تويتر، أن المنح الأخيرة ستُكلِّف خزانة الدولة أكثر من 50 مليار ريال. وحثَّ عددٌ من المسؤولين السعوديين أيضًا شركات القطاع الخاص أن تقتدي بالحكومة وتمنح الموظفين السعوديين زيادة تعوض ارتفاع الأسعار.
ووفقًا للمرسوم الملكي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، أصدر الملك سلمان هذه الأوامر بعدما أوضح له نجله وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، أنَّ التدابير الأخيرة "تزيد الأعباء على بعض المواطنين".
وفيما أكدت الحكومة السعودية أن "بدل الغلاء" يستهدف تخفيف أعباء المواطنين، قالت وكالة بلومبرغ الأمريكية، إن هذه القرارات تُظهِر في الوقت نفسه كيف يُعاني حكام السعودية لتحقيق التوازن بين الحاجة لتفادي الاضطرابات الشعبية واتخاذ الخطوات الصعبة والضرورية للتقليل مما يرى صانعو السياسات والاقتصاديون أنَّه اعتمادٌ غير مستدام على العائدات النفطية.
وتوقعت الوكالة أن تُثير هذه القرارات بهجة السعوديين الذين لجأوا في الفترة الماضية إلى الشبكات الاجتماعية وبرامج التلفزيون لانتقاد ارتفاع الأسعار وفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على عدد كبير من السلع بدايةً من 1 يناير/كانون الثاني الجاري.
وانتشرت الدعوات المطالبة بإعادة الزيادة السنوية لأجور موظفي القطاع العام على تويتر لتتصدر المواضيع الأكثر تداولًا في عدة مناسبات. ولم يقتصر الاستياء على السعوديين العاديين فحسب. إذ صرَّح النائب العام السعودي أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على 11 أميرًا يوم الخميس الماضي، 4 يناير/كانون الثاني، بعدما نظَّموا تظاهرةً داخل قصر الحكم بالعاصمة الرياض احتجاجًا على الأمر الملكي القاضي بعدم سداد فواتير الكهرباء والماء نيابةً عن الأمراء، وفقا لتقرير الوكالة.
ويقول جان بول بيغات، رئيس وحدة البحوث في بشركة لايت هاوس ريسيرش، المقيم في دبي، إن "الأمر الأساسي الذي نخرج به من الساعات الـ48 الماضية ليس تدهور الميزانية أو الزيادة الهامشية للاستهلاك نتيجة تلك المنح، بل حقيقة أنَّ هذه الحكومة حذرةٌ للغاية من تطبيق أي تدابير يُمكن اعتبارها مؤلمةً للأسر السعودية".
ويرى زياد داوود، وهو صحفي بالقسم الاقتصادي ببلومبيرغ، أن هذه القرارات جيدةً بالنسبة لمعدلات النمو في عام 2018، لكنَّها تطرح الكثير من التساؤلات عن الاستراتيجية العامة المتبعة التي من بينها التساؤلات المطروحة عن مدى الجدية في تحقيق الأهداف المالية وتفادي استنزاف الاحتياطي النقدي، واحتمالية جعل وظائف القطاع الخاص أكثر جذبًا للمواطنين بعد التدابير الأخيرة، والقدرة على تنفيذ الإجراءات الصعبة واللازمة رغم الاحتجاج الشعبي.
ويتوفع محمد أبو باشا، المحلل الاقتصادي في المجموعة المالية هيرميس ومقرها القاهرة، أن تلك التدابير يُتوقَّع أن تزيد نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 0.5 نقطة مئوية. وأضاف أن هذه المدفوعات سوف "تلغي تقريبًا الدعم المالي المخطط له في عام 2018، إلّا إذا حدثت زيادة غير متوقعة في أسعار النفط".
وتابع أبو باشا: "تُعتبر هذه الخطوة إيجابية دون شك بالنسبة للنمو المرتقب في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018، لكنَّها تأتي على حساب الانضباط المالي. وتؤكد هذه الخطوة أيضًا المخاوف من استغلال السلطات لأي فسحة مالية ناتجةٍ عن ارتفاع أسعار النفط كي تكون حجةً لتأجيل الإصلاحات المالية".
وقال فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد في لندن إن "ولي العهد لا يستطيع أن ينفَّرَ جمهوره من الشباب. إنها ليست مجرد إصلاحات اقتصادية، بل توطيد للقاعدة الاجتماعية للقيادة الجديدة، ومقاومة أصحاب المصالح الراسخة من بعض أفراد العائلة".
ويتوقع بول سوليفان، وهو متخصص في الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون في واشنطن، إمكانية حدوث اضطرابات. وإذا كانت قاعدة الأمير من جيل الشباب الذين يأملون في حياة أفضل وتغيير حقيقي، فإن تحطيم أملهم أو إعطاء شعور بأن ما يطمحون إليه لن يتحقق فهذا مؤشر قوي على احتمال عدم الاستقرار والغضب".
وتشير الوكالة إلى أنه "في أوقات عدم الاضطرابات السياسية، يغدق القادة السعوديون على مواطنيهم. فإبّان ما ييسمى انتفاضات الربيع العربي، التي أسقطت قادة راسخين منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط، خصص الملك عبد الله أكثر من 100 مليار دولار للإسكان والجنود والجماعات الدينية لمنع انتشار الاضطرابات في المملكة.
لكنّ ما يجعل الأمور مختلفة الآن —بحسب الوكالة- هو أن الأمير محمد قد بدأ من أعلى الهرم، إذ اتخذ خطوات ضد أفراد العائلة المالكة، وهو ما لم يقدم عليه سابقوه، حين اعتقل نحو 200 شخص بين وزير وأمير ورجل أعمال في تشرين الثاني/نوفمبر، متهمًا إياهم بالفساد، بحسب الوكالة.
وقال كريستيان أولريتشن، زميل الشرق الأوسط بمعهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، إنه في حين يطلب من السعوديين العاديين تحمل جزء من الألم الاقتصادي، فإن التقارير عن إنفاق الأمير الفخم قد تؤذي شعبيته. في ضوء ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، بشأن أنه دفع 450 مليون دولار في لوحة ليوناردو دافنشي، و300 مليون دولار للقصر الفرنسي، و500 مليون دولار لليخت.
وتابع: "إن ذلك قد يلقي صدى سيئا ليس فقط بين خصومه في العائلة المالكة الذين يشعرون بالتهميش، ولكن أيضا بين العديد من المواطنين إذا لم يتمكن من تحقيق انتصارات سريعة تقلل من مخاوفهم الاقتصادية بشأن تكلفة المعيشة".
ويقول جيمس دورسي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، إن الأمير محمد يحظى بشعبية وكذلك تأييد الملك لكن شعبيته هشة جدا لأنها مبنية على توقعات مهمة وكبيرة، ومن غير المحتمل أن يكون قادرا على الوفاء بتلك التوقعات ضمن الجدول الزمني الذي يتوقعه الناس، وينبغي له أن يتصرف من أجل الحفاظ على شعبيته".