صحيح، أن كل الأدلة في الوقت الحالي، التي تشير إلى وجود الثقوب السوداء هي أدلة غير مباشرة، والتي، من وجهة نظر العديد من العلماء، لا تقلل على الإطلاق من أهميتها. وهنا نود أن نذكر أنه في حال اعتبرنا الأدلة المباشرة فقط صحيحة، فعندئذ سيكون من الضروري إدراك أن الشمس تدور حول الأرض، وليس العكس. لقد بات من الواضح منذ فترة طويلة أن الثقوب السوداء يمكن أن تتشكل بعد انفجار النجوم الضخمة. حالياً، يراقب الفلكيون عشرات مثل هذه العمليات في الفضاء. وكما يفترض العلماء، فإن كل المجرات تقريباً (عددها حوالي مئات المليارات) تحتوي في مركزها على ثقب أسود ضخم بكتلة تقدر بالملايين والمليارات من كتلة الشمس. على سبيل المثال، يوجد في مركز مجرتنا، مجرة درب التبانة، ثقب أسود بكتلة تقدر بعدة ملايين من كتلة الشمس.
ومع ذلك، فإن بيانات الرصد تشير بشكل متزايد إلى وجود ما يسمى الثقوب السوداء الأولية، التي تشكلت في وقت مبكر بحيث يصعب شرح سبب ظهورها بطريقة نموذجية. والحقيقة هي أن تشكيل ثقب أسود هائل يحتاج إلى مليار سنة على الأقل، علماً أن ميلاد الكون كان قبل 13.8 مليار سنة، وبالتالي فإن أقدم ثقب أسود يجب أن يكون على الأقل مليار سنة من "ولادة الكون". ومع ذلك، تم العثور على الثقوب السوداء، التي تشكلت بعد 700 مليون سنة من ولادة الكون، وهي ضخمة جداً، تقدر بمليارات من كتلة الشمس.
ويتضح مما سبق أنه ينبغي تفسير وجود الثقوب السوداء الأولية بطريقة أخرى. النهج، الذي يتم تطويره في الجامعة الوطنية للأبحاث النووية "ميفي" (الفريق العلمي للبروفسور سيرغي روبين من قسم فيزياء الجسيمات البدائية)، يسمح بتوضيح سبب ظهور الثقوب السوداء الأولية من دون رفض نظرية التشكل عن طريق المسار النجمي الموازي.
ويشير البروفسور سيرغي روبين بهذا الشأن قائلاً "دعونا نتخيل بأن الكون مليء بحقل افتراضي. بالتالي فإن مجرد الحديث عن وجود حقل، فهذا يعني لابد من وجود طاقة كامنة لهذا الحقل. أي أنه إذا كان هناك حقلاً، فإنه من المعروف قيمة طاقته. وعليه فإنه في حال غيّر الحقل من قيمته فإن طاقته الكامنة أيضاً تغيّر من قيمتها. بعبارة أخرى فإن الطاقة الكامنة تعتمد على قيمة هذا الحقل. لا أحد حتى الآن يعرف شكل هذه الطاقة الكامنة، ولكن إذا افترضنا بأن لديها حدان اثنين من القيم الدنيا، فإنه يمكن أن نواجه حالة يقفز فيها الحقل ضمن جزء من الفضاء، بسبب التقلبات في الكون الآخذ في الاتساع المبكر، عبر "تل القيمة القصوى" والانزلاق إلى أدنى حد ممكن.
كما هو معلوم فإن الطاقة كلها تميل إلى الحد الأدنى في حال وجود قوة الاحتكاك. بعبارة أخرى فإن المساحة الرئيسية من الفضاء تميل إلى حد أدنى واحد، في حين أن المساحة الأصغر تميل إلى الحد الآخر. وبالتالي فإن هذه المساحة الصغيرة لديها طاقة عالية جداً، قادرة على أن تتحول إلى ثقب أسود".
وخلافاً للنماذج الأخرى من تشكل الثقوب السوداء الأولية، فإن الخيار الذي يقدمه الفريق العلمي برئاسة الباحث سيرغي روبين من الجامعة الوطنية للأبحاث النووية، يوحي بأن هذه الثقوب تتشكل على شكل مجموعات. وقد أظهرت الحسابات أنه في حال وجود احتمال القفز عبر "تل القيمة القصوى" في مساحة ما من الفضاء، فإن مثل هذا الاحتمال كبير جداً في مناطق مجاورة أيضاً. حالياً يعمل العلماء على دراسة احتمالات تطور مجموعات من الثقوب السوداء الأولية بعد ولادتها.
للأسف، لا يمكننا حتى الآن التحقق من نظرية سيرغي روبين من خلال التجربة العملية على المسرّع. ومن الاستحالة بمكان الحصول على مثل هكذا كمية من الطاقة في المختبر، التي تكفي لتشكل الثقب الأسود. ومع ذلك فإن البيانات الجديدة الخاصة برصد الثقوب السوداء، التي تشكلت في وقت مبكر، سوف تساعد في المستقبل بالإجابة على أسئلة خاصة بولادة هذه الثقوب.